ثقافة وفن

هل يستحق المشوار؟

| إسماعيل مروة

بدأت أم لم تبدأ، في أي محطة كانت، إلى أي مسافة تريد أن تقطع بنا؟ هل تستحق هذه الرحلة من الحياة ذلك الكم من الحقد والكره والضغينة؟ هل تستحق القتل والقتال؟ هل تستحق الدمار؟ ماذا لو غلفت هذه الرحلة بالجمال والحب والعطاء؟ ماذا لو بقي أحدنا عند قدمي أمه يعانق ويشرب من خيرهما حتى تأخذه النشوة وينال منه سكر الوجد والالتقاء بألوهة وأمومة؟ ألا يمكن أن نحرث الأرض جيئة وذهاباً بحثاً عن حب وحب وحب؟ ألا يمكن أن نبحث في حياتنا عن فسحة من علم وبناء وتحصيل من دون أن نهشم أو ننتقص؟ ماذا لو استلم أحدنا الدفة من سابقه، فشكر وذكر وأتم الرحلة الطويلة الطويلة، القصيرة حتى تتحول إلى لمحة؟
ماذا لو تحدينا الحرب والاقتتال بالحب والإعمار للإنسان والأوطان؟
أسئلة كثيرة تترى على الذهن، والمرء يتأمل حركة دائبة في هذه الحياة، سواء كانت الحرب أم لم تكن، فهذا يعمل ويجتهد، وذاك ينتقص، ذاك يبني والآخر يهدم، واحد يحب وآخر يمتهن الكره، ذاك يبدع والآخر يقوم بتسخيفه وتسخيف صنعه!! وكل ما يراه المرء هو سعي حثيث من أحدنا ليمتلك العالم كله بجماله وماله وشهرته ومكتسباته كلها، ولا يرى غيره جديراً بشيء إلا إذا جاد هو عليه بما يزيد عنه وعن حاجته، هذا إن فعل! وإن فعل، فعلى الآخر أن يبقى مديناً ويتحرك في فلكه لأنه سمح له أن يتنفس، أو لأنه عرف أنه مبدع في ميدانه ويستحق!
وجاءت الحرب، وما أدراك ما الحرب؟ حين كنا صغاراً ونسمع عن الحرب كان الإحساس بالمبالغة ينتابنا، فهل من المعقول أن تكون السفربرلك قد حصلت؟ وهل حقيقة كانت دير ياسين؟ وهل جرت مذبحة بحر البقر كما روتها الوثائق؟ وهل يملك الإنسان ذاك الكم من الكره والحقد والقدرة على قتل الآخر لا لشيء إلا لأنه يريد أن يعيش وحده؟
وحين امتدت بنا التجربة عرفنا أن الأيديولوجيا شيء، والإنسانية شيء آخر، وهما مفهومان متضادان، وحين أصبحنا أحراراً أكثر أدركنا خطورة الأيديولوجيات والعقائد سواء كانت وضعية أم كانت غير وضعية، فالأيديولوجيا اعتقاد، والاعتقاد يرفض الآخر، وحين أسبغ قوم على أنفسهم صفة الاختيار، وبأنهم شعب الله المختار، ترسخت في أذهانهم أن الآخرين ليسوا ضمن الاختيار، وبأنهم خدم ووقود، وعندها نعلم السبب الذي دفعهم إلى الاستباحة والقتل، واستمرت السلسلة إلى القتل والصلب، والسيف، وخاصة أن هذه العقائد وجدت من الناس من يتبناها ويفسرها على مزاجه الخاص ليحقق مصلحة، فصار الحكم تفويضاً إلهياً وحقاً مشروعاً ومكتسباً، وأي نوع من أنواع المشاركة هو اعتداء على الله!
ولا تختلف في هذا المفهوم الأحزاب السياسية، والعقائد الوضعية والفلسفات الإنسانية، والتي كان بإمكانها أن تجعل الحياة أكثر سعادة، حوّلت الحياة إلى جحيم ليكون كل الناس في حالة من التشابه، والتشابه ليس للمساواة حتى من العقائد الأممية، وإنما لتقسيم المجتمع من جديد إلى سادة وتابعين، إلى متحكمين مستفيدين، وإلى تابعين يحملون هموم الفكر ويدفعون الضريبة سواء كانوا مقتنعين أم لا!
في الحرب التي تجري على أرضنا منذ سنوات، أدركنا أن الصورة التي انتقلت إلينا عن الصراعات ليست مبالغة، ونسأل أنفسنا: هل سيصدق القادمون بعدنا سيرة الحرب العبثية؟ وهل سيصدقون القتل لوجه القتل؟ هل سيصدقون؟ هل سيكتبون لينتقل الحقد إلى أجيال وأجيال؟ نرجو أن يفقد القادمون شهية الحقد والسرد المؤلم لعلهم لا يعيدون الكرّة، ولعلهم لا يعيشون دماراً مماثلاً لما عاشه أسلافنا منذ أربعة عشر قرناً، وعشناه نحن اليوم، نرجو ألا يدوّن التاريخ هذه الصفحات القاتمة للأجيال القادمة، فكل ما نعانيه كان بسبب ما تم تدوينه وتسجيله من أهوال قديمة حملنا ثأرها ووزرها.
جئناً إلى هذه الدنيا بمشوار، فهل يستحق مشوار مغمّس بالألم كل هذا الكره والحقد؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن