«تحية إلى الموسيقار السوري سهيل عرفة» … محمد الأحمد: ترك عدداً لا يحصى من التلاميذ والمريدين من عشاق فنه والسائرين على خطاه
| وائل العدس- تصوير طارق السعدوني
نجم تلألأ في سماء الموسيقا السورية والعربية، ومن يطلع على تاريخه الفني وعطائه الموسيقي يذهل للكم الهائل من التأليف الموسيقي والألحان الجميلة والإبداعات الرائعة التي زينت المكتبة الموسيقية، بحيث لم يعط لقب «موسيقار» عن عبث، وإنما كان يستحقه بجدارة وبمرتبة الشرف.
إنه الكبير الراحل سهيل عرفة الذي كرم على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون بحفل موسيقي بعنوان «تحية إلى الموسيقار السوري الراحل سهيل عرفة» برعاية وحضور وزير الثقافة محمد الأحمد ضمن رؤية وخطة الوزارة في تكريم القامات الفنية والإبداعية التي أسهمت في بناء المشهد الثقافي السوري عبر إنجازاتها المتميزة.
وأحيا الأمسية الموسيقية الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، وغناء أمل عرفة وليندا بيطار وريان جريرة وكورال ألوان بقيادة المايسترو حسام الدين بريمو، بينما تكفلت الزميلة ألمى كفارنة بتقديم الحفل بتميز وإتقان.
وقُدم خلال الحفل ثماني أغنيات من ألحان الموسيقار الراحل، فشدت ابنته بثلاث أغنيات هي «صباح الخير يا وطناً» من كلمات عباس الديلمي، و«ع البساطة» من كلمات ميشيل طعمة، و«عليكِ السلام» من كلمات سامر غزال، إضافة إلى «بلدي الشام» من كلمات حسين حمزة، وقد غنتها بالمشاركة مع جريرة الذي افتتح الحفل بأغنية «يا دنيا» من كلمات عيسى أيوب.
أما ليندا بيطار فغنت «من قاسيون أطل يا وطني» لخليل خوري و«يا طيرة طيري يا حمامة» لعمر حلبي، بينما قدم كورال ألوان «غنوا معنا لطفولتنا».
الحياة أجمل
وزير الثقافة في كلمة له قال: يعز عليّ أن أقف موقف الراثي لصديقي وأستاذي الفنان الكبير سهيل عرفة، وأنا الذي تعودت أن أقف أمامه موقف المنصت إلى أحاديثه الشائقة، والمستمتع بما يسوقه من قصص وحكايات وأفكار.. سهيل عرفة باسمه الكبير لم يكن صديقاً لي فحسب، وإنما هو قبل ذلك صديق أسرتي، صديق أمي وأبي وأقرب الناس إليّ، لهذا فأنا حزين لرحيله عنا مرتين، مرة لأنني فقدت صديقاً شخصياً عزيزاً، ومرة لأنني أضعت إرثاً عائلياً ثميناً.
وتابع: يقال إن الإنسان لا يموت إذا استطاع أن يبني بيتاً وأن يزرع شجرة وأن ينجب ولداً يحفظ ذكراه، لقد فعل سهيل عرفة أكثر من ذلك بكثير، فشيّد بنايات فنية شاهقة، وزرع غابة من شجر السنديان الباسق القوي الذي لا تهزه ريح، وأنجب ليس الأبناء الأربعة النجباء الذين يجلسون بيننا فحسب، رغم أن هذا بحد ذاته إنجاز حياتي عظيم، وإنما ترك لنا أيضاً عدداً لا يحصى من التلاميذ والمريدين من عشاق فنه والسائرين على خطاه.. نعم، كل إنسان هو عالم قائم بذاته ولا يمكن، في حال فقده، أن يعوّض. ومع ذلك، ورغم الألم، فإننا نبتسم عندما نرى أعماله تعيش وتتنفس بيننا.
وأضاف: تنظر إلى ما تركه سهيل عرفة من أعمال ولا تصدق أن هذا كله هو من إبداع شخص واحد، أكثر من ألف وثلاثمئة أغنية، وموسيقا حوالى سبعين مسلسلاً وأربعين فيلماً سينمائياً، وعشرين مسرحية.. ومع ذلك لا نستغرب من هذا عندما نعرف أن الفن بالنسبة لسهيل عرفة ليس مهنة ولا هواية وإنما هو نمط حياة، وهو الهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه والخبز الذي يقتات به.
وأكد الأحمد أن عرفة قاوم المرض الذي أنهكه أواخر أيامه بشجاعة ورجولة نادرتين ولم يرفع الراية البيضاء لحظة واحدة، سخر من الموت بالضحك والرغبة في العيش والحديث عن مشاريعه المستقبلية التي كان ينويها، التقيته للمرة الأخيرة في منزله ورغم مكابرته وإيحاءاته بأنه مازال قوياً لاحت إشارة من عينيه أفصحت لي عما يكابره، غادرت المنزل بعد أن ضممته وقبّلته وكنت أعرف جيداً أنها المرة الأخيرة التي سوف ألتقية فيها وأن الزمن المتبقي له لن يتيح المزيد من أحاديثنا المعتادة.
وختم: حقاً لقد كانت الحياة أجمل بكثير بوجود سهيل عرفة. قبل أن يسلم ابنته أمل درع التكريم.
مشاعر مختلطة
أما الفنانة أمل عرفة فتوجهت في كلمتها بالشكر لوزارة الثقافة وللقائمين على التكريم لأحد أعمدة الموسيقا في سورية والوطن العربي ومن أكثر المدافعين عن هوية الأغنية السورية.
وذكرت: اليوم في داخلي مشاعر مختلطة وكثيرة من الغصة والفقد والحب والوفاء لهذا الفنان الكبير الذي قدم الكثير لوطننا، وفي الوقت نفسه شعور بالفخر لكوني ابنته، وكنتُ يومها أشعر أنني ابنته ولستُ أمل عرفة، وأتمنى أن يكون فخوراً بي كما كان كل حياته، معبرةً عن سعادتها بوجودها مع الفرقة الوطنية السورية، وبأن تقف على مسرح الأوبرا وتغني أجمل الأغاني التي لحنها والدها الراحل.
وأوضحت: عندما كنتُ في المعهد العالي للفنون المسرحية، تعلمت أن من قواعد الخشبة تخيل الجمهور شخصاً واحداً، واليوم أتخيل الحضور كله شخصاً واحداً هو أبي.
ووجهت شكرها الجزيل لوزارة الثقافة ووزيرها على التكريم الذي يليق بوالدها، مؤكدة أن هناك الكثير من المبدعين السوريين ينتظرون تكريمهم.
الطابع السوري
بدورها أكدت الفنانة ليندا بيطار لـ«الوطن» أن مشاركتها في تكريم مبدع سوري كبير تعني لها الكثير كمغنية سورية، مبدية سعادتها لأنها كانت خيار ابنته أمل، وقالت: هذا الشيء يحمّلني مسؤولية كبيرة، إضافة إلى مسؤولية تقديم أغنياتٍ قدمها كبار المطربين.
وأردفت: ليس من حقي أن أقيّم الموسيقار الراحل، لكنني بالفعل شعرتُ ببصماته خلال البروفات من خلال الطابع السوري الذي نفتقده في وقتنا الراهن، ومن واجبنا أن نحافظ على مخزونه وإرثه ونضيء عليهما في كل حفلاتنا.
الهوية السورية
أما المايسترو عدنان فتح الله فأكد أن حفل اليوم كان إحدى حفلات الفرقة الوطنية السورية الدورية وحملت هذه المرة اسم الموسيقار الكبير سهيل عرفة ضمن خطة وزارة الثقافة بتكريم المبدعين. قائلاً: كرمنا العام الماضي الشاعر الكبير نزار قباني بأشعاره المغناة، وسنكرم مستقبلاً الموسيقار عبد الفتاح سكر، معتبراً إن أحد معايير حضارة الشعوب تقاس بتكريمها لمبدعيها في جميع المجالات.
ورأى أن أهم ما يميز عرفة رسمه لملامح هوية الأغنية السورية، إضافة إلى تنوع أعماله، وخاصة أنه قدم الأغنية الخفيفة «الطقطوقة» والقصيدة والموسيقا التصويرية إضافة إلى أغاني الأطفال، هذا التنوع كان المعيار الأساسي لبرنامج حفلنا.
وأكد أنه من الضروري كموسيقيين شبان أن نعرّف الجيل الشاب الجديد على إرثه الموسيقي من ناحية، وأن يتابع الزملاء الموسيقيون أين وصل من سبقوهم ليستمروا بتطوير الأغنية السورية خاصة والثقافة السورية عامة من ناحية ثانية.
رحلة إبداع
ولد الفنان الراحل في دمشق عام 1934، وبدأ مطرباً ثم انتقل إلى التلحين، وهو متزوج وله 4 أبناء من ضمنهم أمل عرفة.
حاز دبلوم شرف من المعهد الموسيقي في حلب، وهو عضو في نقابة الفنانين منذ عام 1968، وشارك بالإذاعة ببرنامج «ألوان» وغنى فيه أغنية لفريد الأطرش بعنوان «نورا يا نورا».
في عام 1974 عيّن رئيس فرقة موسيقية، لدى هيئة الإذاعة والتلفزيون.
نال عدة شهادات تقدير من نقابة الفنانين ومحافظة دمشق ووزارة الإعلام ووزارة الثقافة ومهرجان الأغنية السورية.
دخلت ألحانه الشهيرة التي قدمها منذ نهاية الخمسينيات الوجدان العام، ورددتها الجماهير العربية في كل مكان، فهو صاحب لحن (يا دنيا) و(بلدي الشام) لوديع الصافي والأغنية الأخيرة شاركته فيها فاتن حناوي و(يامال الشام) و(ميلي ما مال الهوى) لصباح فخري و(عالبساطة) و(بياع التفاح) و(أخذ قلبي سكارسة) لصباح و(يا طيرة طيري يا حمامة) لشادية و(بالأمس كانت) لفهد بلان، و(رمانا بحبو يا قلبي)، و(واللـه لنصب تلفون) لنجاح سلام، و(قدك المياس) لطروب، و(يعطيك العافية يا بو العوافي) لسمير يزبك، و(من قاسيون أطل يا وطني) لدلال الشمالي، و(ودي المراكب عالمينا) لمروان محفوظ، و(صباح الخير يا وطناً) لأمل عرفة وفهد يكن. وعشرات الأغاني الشهيرة الأخرى، التي لحنها خلال مسيرته الفنية الطويلة، وأطلقها بأصوات كبار نجوم الغناء في عالمنا العربي.
وحازت أغنيته الموجهة للأطفال «غنوا معنا يا أطفال العالم» جائزة الميدالية الذهبية في مهرجان «النقود الذهبية» في إيطاليا، وكرمته جامعة الدول العربية عام 1999 ومنحته لقب الموسيقار.
ولعل تعاونه مع الراحل عيسى أيوب كان سبباً في أنه منذ تأسيس منظمة طلائع البعث عضو في لجنة التحكيم في مهرجانات المنظمة.
وهكذا فقد كانت افتتاحيات المهرجانات كلها من تأليف عيسى أيوب وألحان سهيل عرفة. فقد عرف هذا الثنائي كيف يخاطب الطفل في الأغنية الخاصة به، وقد نالا جوائز عديدة في أكثر المهرجانات العربية والعالمية.
وقد لحن عرفة عدداً من الأعمال الموسيقية لعدد كبير من المسلسلات التلفزيونية، كما كتب الموسيقا لعدد كبير من الأفلام السينمائية مثل «الفهد» وهو من تأليف حيدر حيدر وإخراج نبيل المالح. و«المغامرة» لسعد اللـه ونوس و«المصيدة» وغيرها.
وقد برز عرفة في مجال تلحين الأغنية الوطنية ما زاد في شهرته، فلحن أغاني كثيرة جداً مثل «من قاسيون أطل ياوطني» للشاعر اليمني عباس الديلمي و«بلد الشام وأهل الشام» للشاعر حسين حمزة.
عُين سهيل عرفة في وزارة الإعلام السورية عام 1974 بمرسوم جمهوري، أصدره الرئيس الخالد حافظ الأسد، وتقديراً لإبداعاته، فقد منحه الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق أواخر عام 2007، وحصل على عشرات الجوائز والتكريمات.