ثقافة وفن

مصطلح الهمشرية ومدلولاته … لهجتنا الدارجة بالتحدث تزخر بمقولات من التعبير أو الافصاح

| منير كيال

تعارف أبناء جيل من سبقنا على عادات وتقاليد، توارثوها عن أسلافهم، فكان أشبه بنبراس لحياتهم والناظم لتعاملهم وعلاقاتهم من لقاء وأخذ وعطاء وما إلى ذلك من تواصل وتراحم وتواد.
وقد لعبت تطورات الحياة دوراً كبيراً بتراخي الكثير من الناس من حيث الأخذ بتلك العادات والتقاليد، أكان ذلك في إطار الأسرة، أم على صعيد المجتمع، وقد وصل ذلك التراخي في بعض الأحيان إلى درجة جعلت المرء يستغرب بل لا يكاد يصدق ما يقال له عن صدق التعامل والوفاء والبذل والعطاء.. وما إلى ذلك من أشكال التواصل لدى من سبق جيل هذه الأيام، حتى إننا قد نجد من يتندر بها بهذه الأيام وعلى هذا.. فإن من الممكن القول إن لهجتنا الدارجة بالتحادث تزخر بمقولات على جانب كبير من التعبير أو الإفصاح عما يرغب إيصاله إلى من يتحدث إليه بيسر وسهولة ودونما تقعر أو تكلف بذلك الحديث، وبالطبع فإن مرد ذلك ما يتسم به ذلك التحادث بين الجانبين من بساطة التعبير، ووضوح ما يرمي إليه ذلك الحديث. وقد تناولت تلك التعابير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة للإذاعة والتلفزيون أو للصحافة، لكن ذلك التناول لم يكن بل لم يؤد إلى إيصال المعلومة المطلوبة بالإطار والمضمون الذي يراد لها، أو يطلب منها، زد على ذلك فإن من تلك المقولات ما كان منها ما يرد بالنص دونما جدوى، وبحيث لا يقدم ولا يؤخر ولا يضيف إلى المعنى إيصال المراد من إيراد هذه المقولة أو تلك بالنص المشار إليه.
وسنتوقف بهذا الموضوع عند مقولة الهمشري ومقولة ابن حرام بلغتنا أو لهجتنا الدارجة فالقصد من عبارة الهمشري الدلالة على شخصين متحابين متوافقين على السراء والضراء بعد تآخيهما بالدم.
ويكون التآخي بالدم بأن كلاً منهما يجرح زنده أو ساعده أو أي مكان آخر من جسمه وبالطبع لا يشترط أن يكون مكان الجرح للواحد منهما هو نفس المكان الذي به جرح الشخص الآخر، ومن ثم يطبق الجرحان على بعضهما فيختلط دم الجرحين وبالتالي دم الواحد منهما بدم الآخر، وبالتالي يتآخى الشخصان المشار إليهما ويصبح الواحد منهما نصيراً للآخر على السراء والضراء. وبالطبع فإن التناصر بينهما على الضراء، بأن يعمل الواحد منهما على ردع الآخر عن القيام بأي عمل من شأنه المساس بحقوق الآخرين ومشاعرهم وسلوكهم بل ردعه عن حيازة أي شيء معنوي أو مادي، ليس له الحق به.. وبالطبع فإن ذلك الموقف لا يشكل أي أثر للواحد منهما نحو الآخر، وهذه الأخوة بالدم أي الهمشرية ليست مقصورة على حال من الأحوال وإنما هي أخوة دائمة، ولأن كل إنسان حقه يرضيه فلا يتعدى أي منهما على حقوق الآخر بأسلوب المحاباة والتخجيل والأملية، وإنما لكل أمر حدود، وذلك على نحو من القناعة التامة، ودون فسح المجال لعزيزة حب الذات بالحصول أو المساس بحقوق الآخرين.
وإذا انتقلنا إلى مقولة ابن حرام، فإن من الممكن القول إن القصد منها أصلاً: هو أن ابن الحرام إنما هو ابن الزنى من علاقة محرمة بين رجل وامرأة هو ابن غير شرعي، لأن هذه العلاقة محرمة ديناً ودُنيا لكننا نلحظ أن الناس بتداولهم لمقولة ابن حرام كان يحتمل بقولهم: الموافقة على قيام المرء بعمل من الأعمال إذا كان لا يخالف الشرع أو القانون وعلاقات الناس، أما عدم الموافقة على قيام ذلك المرء بالعمل، فلأن ذلك يرتبط بسلوك الإنسان سلوكاً أو ممارسة تضر بالغير.
وقد أرادوا بالمرء الذي يقوم بعمل لا يخالف الشرع ولا عادات الناس وتقاليدهم إن هذا المرء حربوق، ولا تفوته فوتة، أي بمعنى فلهوي يأخذ حقه من فم السبع كما يقولون وهذا أمر طبيعي لا يختلف عليه اثنان، أما في حال كون عمل المرء بعمل ما لمصلحته الخاصة دون أي اعتبار لمصلحة الغير وما قد يحصل لهم من عمله من أذى وضرر مادي أو معنوي، فهو ابن حرام بكل معنى الكلمة لأن عمله لا تقره شرائع ولا قوانين، وهذا العمل يتنافى مع الأعراف التي لا تضر بالآخرين أو لا تعود عليهم أو على بعضهم بالمنفعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن