قضايا وآراء

الحرب الإرهابية وانعكاساتها على اقتصاد العالم العربي

| قحطان السيوفي

ما سُمي انتفاضات الربيع العربي عام 2011، كانت إيذانا بحرب إرهابية تهدف لتدمير الدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية، وظاهر المطالبات سياسي اقتصادي اجتماعي، لكن الدافع الأساسي كان تدمير هذه الدول بدعم غربي وبتمويل مباشر للتنظيمات المسلحة الإرهابية من بعض دول النفط الخليجية العربية.
رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم اعترف في مقابلة تلفزيونية، في معرض رده على اتهامات وجهت من المملكة السعودية إلى قطر بتمويل الإرهاب، حين قال: «قمنا بالاتفاق مع السعودية وأميركا ودولة الإمارات بدفع مبلغ 137 مليار دولار للمسلحين في سورية لإسقاط النظام» وبعد سبعة أعوام لم يتحقق إلا الخراب والدمار وازداد التفاوت في توزيع الثروة داخل معظم بلدان المنطقة.
النمو البطيء جدا مع تزايد السكان، أدى لارتفاع البطالة، وتواجه الآن معظم بلدان العالم العربي خيارا صعبا بين التقشف، وإتمام إصلاحات شكلية في بعض الدول، والنمو الاقتصادي لم يتجاوز 3,6 في المئة سنويا منذ عام 2011، وهو ما يقل كثيرا عن العقد الماضي، وتكبدت المنطقة خسائر فادحة بسبب الحروب في العراق وليبيا وسورية واليمن التي أودت بحياة أكثر من ثلاثة أرباع مليون نسمة منذ عام 2011، وأسفرت عن نزوح 12 مليون نسمة في سورية وحدها، وكان الأثر الاقتصادي مدمرا، إذ تهدمت المنازل والبنى التحتية، بتكلفة تقديرية تتجاوز خمسة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السابق على الأزمة، كذلك أدت الحروب إلى إضعاف أنشطة التجارة والسياحة والاستثمار، وفي الوقت نفسه، تعاني البلدان المصدرة للنفط الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة وهو ما أدى لعجز كبير لديها. وتضاعف الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، إذ تزيد مستويات الدين على 90 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في مصر والأردن ولبنان.
تؤثر الحرب الإرهابية في الاقتصادات حيث تؤدي الوفيات والإصابات وحالات النزوح إلى تآكل خطر في رأس المال البشري. اضطر عشرة ملايين لاجئ و20 مليون نازح داخليا من المنطقة إلى هجر ديارهم، ويوجد في سورية أكبر عدد من بين بلدان المنطقة. تؤدي الحرب لنشر الفقر وانخفاض فرص العمل، وتتدهور جودة التعليم والخدمات الصحية وتزداد عمقا كلما طال أمد الحرب. وتعد سورية مثالا دراماتيكيا. فقد قفزت البطالة من 8,4 في المئة في عام 2010 إلى أكثر من 60 في المئة، ووصلت معدلات ترك الدراسة إلى 52 في المئة، وانخفضت تقديرات العمر المتوقع من 76 عاما قبل الصراع إلى 56 عاما..
كما تعرض رأس المال المادي والبنية التحتية إلى التدمير. فقد تعرضت المنازل والمباني والطرق والجسور والمدارس والمستشفيات ـــ فضلا عن منشآت المياه والطاقة والصرف الصحي ـــ إلى أضرار بالغة. وإضافة إلى ذلك، تدهورت بشدة البنية التحتية المتعلقة بالقطاعات الاقتصادية الرئيسة مثل النفط والزراعة والصناعات التحويلية، مع ما لذلك من تداعيات على النمو والمالية العامة وعائدات التصدير واحتياطيات النقد الأجنبي. وفي سورية، تعرض أكثر من ربع الرصيد من المنازل إلى التدمير أو الضرر منذ بداية الحرب.
بالمقابل تعرض التنظيم الاقتصادي والمؤسسات للضرر، فقد كان تدهور الحوكمة الاقتصادية حادا للغاية. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تكلفة الاضطرابات التي تعرض لها التنظيم الاقتصادي في بعض الدول العربية تزيد بأكثر من 20 ضعفا عن التدمير الرأسمالي في السنوات الست الأولى من الحرب الإرهابية 2017.
الحوكمة تؤثر في تعزيز ثقة الأعمال وزيادة الاستثمار. فلا يزال ترتيب معظم بلدان المنطقة في النصف الأدنى من المؤشرات العالمية التي تقيس قدرة الحكومات على العمل الفعال والسيطرة على الفساد. ويعتبر الدمار المترتب على الحرب أكبر اختبار للجميع. فاللاجئون بحاجة إلى الغذاء والمأوى والتعليم والمساعدة على العثور على فرص عمل؛ والبلدان المضيفة لا طاقة لها بتحمل هذه الأعباء وحدها. وعندما تنتهي الحروب، ستكون المهمة التالية هي تعبئة الموارد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات.
العالم العربي أكبر مستورد في العالم للقمح، وشهدت كل بلدان المنطقة تقريبا زيادة في أسعار الغذاء المحلية إذ بلغ متوسط هذه الزيادة في كل بلد نحو 40 في المئة منذ كانون الثاني 2007. الإنفاق على دعم السلع الغذائية في بعض الدول نحو 3,5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وقد حاول أغلب البلدان إصلاح أنظمة دعم السلع الغذائية الاستهلاكية لديه بإجراءات من قبيل زيادة الأسعار خلسة، وترشيد الدعم واستبداله بتحويلات نقدية، بعضها نجح. ومعظمها أخفق… لقد أدىت الحرب إلى تدهور الأوضاع في منطقة تواجه بالفعل قصورا هيكليا وانخفاض الاستثمار وتراجع أسعار النفط، ما كان له أثر كبير في اقتصادات الدول المنتجة للنفط ناهيك عن تبديد بعض حكام هذه الدول لثرواتهم بتمويل التنظيمات الإرهابية… إضافة لشفط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا للمزيد من أموال حكام النفط لمواجهة انعكاسات الحرب الإرهابية في العالم العربي، هناك حاجة إلى إيجاد مزيد من فرص العمل والنمو، ومنح المرأة حقوقا مساوية للرجل. وستكون سياسات التعليم وسوق العمل أمرا أساسيا أيضا؛ لأن الشباب دون سن الثلاثين يشكلون نحو 60 في المئة من مجموع السكان.
على الحكومات تنمية القطاع الخاص ، وزيادة فرص الحصول على التمويل، والسعي لتحسين الشفافية والمساءلة، والمساهمة في زيادة حجم وكفاءة الإنفاق للأغراض الاجتماعية والاستثمارية.
على الرغم من شراسة الحرب الكونية الإرهابية على سورية وضخامة المبالغ التي أنفقت لتدمير الدولة السورية التي صرح عن بعضها علنا رئيس وزراء قطر السابق إلا أن الدولة السورية، وبالإمكانات المتاحة ، صمدت بشعبها ومؤسساتها وببسالة جيشها واستطاعت التصدي للإرهاب ودحره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن