ثقافة وفن

اختار اسم «ممدوح عدوان» فعُرف واشتُهر به … شاعر طليعي يرى أن الأولوية للقضايا العامة الاجتماعية والوطنية

| سوسن صيداوي

صوت شعري مشاكس وصريح، يقول ما يريد بشجاعة ومن دون مواربة، شخصيته تشكل مركز جذب واستقطاب لأنها رغم الجدية والحزم تجمع الكثير من المرح وخفة الدم. إنه الشاعر ممدوح عدوان، شاعر الطفولة المؤجلة، حيث ترك طفولته خلف ظهره عقودا من الزمن ليعود إليها متأخراً، مثل هاملت الذي استيقظ متأخرا في مسرحية للشاعر، لم يغادره الطفل قط؛لكنه ظل متواريا، لأسباب أرادها الشاعر إلى أن أطل بوجهه مقهقها ومعتذرا عن التأخر. كلمات تعريفية لكتاب اليافعة الشهري لمؤلفه ناظم مهنا الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي جاء بعنوان(ممدوح عدوان)، الصادر مؤخراً ضمن سلسلة «أعلام ومبدعون» بواقع 57 صفحة من القطع المتوسط، وإليكم البقية مع مزيد من التفاصيل.

‏في الولادة والنشأة
ولد ممدوح عدوان عام 1941 في قرية «القيرون» الجبلية الجميلة في منطقة مصياف المشهورة بقلعتها التاريخية. في مثل طبيعة هذه القرية، يولد الإنسان كشاعر، بسبب استماعه منذ الطفولة إلى الأهازيج والشعر العربي الفصيح وإلى القصائد الشعبية التي تنشد في السهرات وفي ليالي السمر الشتوية وفي الأفراح والأتراح، ولابد أنه كان للطبيعة التي شب فيها دور في موهبته الشعرية. اسمه في القيد «مدحت صبري مصطفى» ثم اختار لنفسه الاسم الذي عرف واشتهر به: ممدوح عدوان. في قريته عرف الفقر والقهر والشقاء، لكن ظروفه القاسية لم تمنعه من الحلم والتحدي والكفاح من أجل إثبات الوجود والتغلّب على الواقع.

تشابه حياته
مع حياة أقرانه من الأدباء
في هذا الجانب الذي تحدث عنه المؤلف ناظم مهنا يشابه الشاعر ممدوح عدوان حياة شعراء وأدباء كثيرين من أقرانه ومن أبناء جيله الذين عاشوا ظروفا مشابهة، فلقد جاء ممدوح إلى دمشق لمتابعة تعليمه الجامعي؛حيث درس في جامعة دمشق قسم اللغة الانكليزية. في دمشق واجه الشاعر الحياء والتردد، على ما يبدو، بالهروب إلى الأمام نحو التقحّم والجرأة والقهقهة الصاخبة في كثير من الأحيان. في الوسط الجامعي برز عدوان بين رفاقه شخصا ذا جاذبية وتأثير قوي فضلا عن نشاطه الأدبي والشعري اللافت.

في الشعر
في هذا القسم أشار المؤلف بأن الشعر بالنسبة لشاعرنا كان منذ بدايته تعبيرا عن إعلان الذات، وفرض الوجود الفردي، ثم تحول مع الزمن وتراكم التجربة والوعي إلى تعبير عن الذات المندمجة في الجامعة أو في الأمة، وأصبح عدوان شاعر قضية يعبر عنها بكل شجاعة ومن دون مواربة بعيدا عن التزلف والتملق والتبرير والمجاملة. إذاً يعد عدوان من الشعراء الطليعيين الذين يذهبون إلى أن الأولوية في الفن والأدب للقضايا العامة الاجتماعية والوطنية، ويرى أن الشكل والمحتوى متلازمان وغير منفصلين، والرؤيا الجديدة للواقع تتطلب أشكالا جديدة للكتابة. والقصيدة عند شاعرنا مشحونة بالمعرفة والانفعال وخلافا للشعراء (الأسطوريين) الذين يوظفون الأسطورة القديمة في شعرهم لأغراض جمالية أو معرفية.

في الأدب
تعددت كتابات ممدوح عدوان في شتى الأجناس الأدبية، إلى درجة يحار فيها المرء في أي صنف أدبي يصنفه، أهو شاعر، أم مسرحي، أم مترجم، أم روائي، أم كاتب سيناريو، أم كاتب صحفي، متابعا المؤلف ناظم مهنا، بأنه وعلى الرغم من أن عدوان كتب في الأجناس الأدبية كلها، أجاد فيها وأبدع، وكان ظاهرة فريدة في التنوع المدهش. واجه شاعرنا في كتاباته ومقالاته ومواقفه المعلنة كل من يريد للشاعر العربي الحديث أن ينقطع عن جذوره، وأن يتغرّب عن واقعه، وهذا ما رفضه ممدوح عدوان دائما، هو ورفاقه الأدباء العرب المتقاربون شعريا، والمتقاربون في مواقفهم القومية الذين رفضوا الانعزال أو التقوقع الضيّق من جهة، ورفضوا كل دعوات التغريب والانسلاخ عن الثقافة العربية من جهة أخرى. ففي القضايا الوطنية والقومية والإنسانية، كان صوتا عالي النبرة، صوتا لا يخفت ولا يتوارى خلف الكلمات أو يوارب أو يتهرّب، ضد طريق الظلم على طول الطريق، ومع الإنسان المعذب والفقير، وهو في شعره وفي مسرحياته ومقالاته رجل قضايا، ورجل مواقف شديدة الوضوح، لا لبس فيها، ولا التباس. ‏

في محاورة العالم
كانت ترجمات عدوان منتقاة بعناية، وتركت أثرا طيبا وعميقا في عقول القراء العرب ووجدانهم، وملأت فراغا في المكتبة العربية المعاصرة، وأضاف هو من شخصيته إلى هذه الترجمات قيمة جديدة لما عرف عنه من مستوى عال في العمل، وذائقة رفيعة في الاختيار بروح عالية من المسؤولية. وفي هذا الصدد يقول شاعرنا: «أن يكون انشغالي بالعالم الخارجي قد يجعل لدي رغبة في أن أقيم حوارا مع هذا العالم وهذا تجلى في الكتابة الصحفية، وفي الكتابة المسرحية وفي الرواية وحتى في الترجمة…. أن أتحاور مع العالم الخارجي لأجلب للقارئ العربي مادة حلوة ولطيفة تستحق أن يقرأها».

أهم أعماله
له ما يزيد على (85) كتاباً توزعت بين التأليف والترجمة والإبداع الشعري والمسرحي وكتابة الدراما التلفزيونية والكتابة للسينما. توزعت على الشكل الآتي:
• (17) مجموعة شعرية.
• (26) مسرحية.
• (30) كتاباً مترجماً.
• (6) كتب فكرية ونقدية.
• (2) رواية.
كما تجدر الإشارة إلى أن المتتبِع لأعمال ممدوح عدوان يجد أنه قليل ما خصص كتابة للطفل، لكنه يُعنى بالإنسان في كل مراحل حياته، وهو واضح وسلس، ولا يجد الصغار صعوبة في التواصل مع أشعاره ومسرحياته وأعماله الدرامية. ‏

‏رحيل الشاعر
تحت هذا العنوان أشار المؤلف إلى أن ممدوح عدوان لم يكتب مذكراته ولم يتحدث كثيراً عن نفسه لولا بعض اللقاءات الصحفية معه التي ازدادت وتيرتها في أثناء مرضه بالسرطان، ولولا ذلك لما عرفنا عنه إلا القليل من المعلومات. وتصارع مع مرضه طويلاً، وواجهه بشجاعة وكبرياء، ولم يرضخ له، إلا أن المرض نال منه في النهاية، ووافته المنية بتاريخ 19/12/2004 عن عمر 63 عاما، ودفن في قريته القيرون، بعد أن ودّعه أصدقاؤه وتلاميذه ومحبّوه. قد ترك برحيله فراغا لا ينكره أحد ممن يعرفون مكانة الشاعر، وعن هذه الخسارة الكبيرة برحيل الشاعر كتب صديقه الشاعر شوقي بغدادي «إن ممدوح عدوان لم يكن عابرا؛لقد استطاع أن يترك في نفوسنا نفحتين متناقضتين: الأولى هي نفحة الفرح بالحياة، الفرح الذي ظل ممتلئا به طيلة سنيّ عمره، والثانية هي نفحة الألم إزاء الركود والخواء في أعمارنا الواهية التي يبتلعها زمان شحيح مسموم، يكسرنا ويذهب بأحلامنا؛لقد كان ممدوح تجسيدا للنفحتين معا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن