قضايا وآراء

بين «مسمار جحا» والنهايات «الهوليوودية»: هل اقتربت المنطقة من الحل الشامل؟!

فرنسا- فراس عزيز ديب : 

من منا لا يعرف قصة «مسمار جحا» التي كرّست فكرة الحجة الواهية للوصول نحو المبتغى؟ كذلك الأمر من منا لم يتابع يوماً أفلام الأكشن الأميركية، التي أهم ما يميزها أن الأبطال لا تفرغ أسلحتهم من الذخيرة؟ تماماً كما سياسة الولايات المتحدة التي لا تفرغ «مساميرها»، والأهم أنها تصور لنا سعيها الدائم ليعم «الخير»- من وجهة النظر الأميركية- حتى لو كان هذا «الخير» سيمر على جثث ملايين الضحايا. لا مشكلة؛ فالأبطال موجودون، والمشاهد المتابع بشغفٍ لا يزال معجباً بهذا الخيال الخصب، أما «مسامير جحا» فهي لا تُعد ولا تُحصى، آخرها- وليس آخرها- «قوات» من ستين رجلاً لمحاربة التنظيمات الإرهابية، بل انطلاقاً من هذه الحالة الهوليودية، تمت صياغة السيناريو بطريقةٍ تتيح للولايات المتحدة تهديد من سيحاول المساس بهذه «القوات»، فهل هذه القصص الأميركية هي استمرارٌ للأفكار الهوليوودية، أم إنها تثبيتٌ لـ«مسمار جحا» في جدران التسوية القادمة؟
بدأت حالةٌ من الارتياح تسود المنطقة، تحديداً بعد الحراك الدبلوماسي الدولي اللافت في الأسبوع الماضي، وما حُكي عن بداية وضع قطار الحل السياسي على السكة الصحيحة. بالتأكيد ارتفع منسوب التفاؤل، لكن لو دققنا ملياً لرأينا أن الأمور تزداد تعقيداً وليس كما يظن البعض.
من باب الواقعية، كثرت التحليلات والتصريحات التي تختزل كل ما يجري للإيحاء وكأن الدول المتورطة بالدم السوري بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ جاهزةٌ لإنجاز التسوية في سورية، لكن هناك عقبة وحيدة فقط وهي «ماذا عن مصير الرئيس السوري».
هذا الاختزال نوصِّفه ببساطةٍ بالاختزال «الوقح»، يدفع من ابتلانا اللـه بهم بهذه الأمة ككتابٍ و«مثقفين» محسوبين على «محور المقاومة»، لإيراد العبارات المتعلقة ببقاء الأسد مع كل سطرٍ يكتبونه. هم يريدون كسب عدة نقاط من هذا الأمر ودائماً على حساب الدم السوري، منها مزيد «من الإعجابات والتعليقات» للظهور بمظهر الشخصيات المؤثرة في الرأي العام العربي والثاني كسب كلا الطرفين؛ مؤيد ومعارض، لأن كلاهما سينظر إليه من باب الواقعية. هم ما زالوا مقتنعين بأن المشكلة في سورية أساساً هي بين معارضٍ ومؤيدٍ، بمعنى آخر؛ إن الإصرار على تكرار هذه الفكرة لم يعد بريئاً، تحديداً عندما تكون اجتراراً «منمَّق» لما يقوله المتورطون بالدم السوري بأن الأسد مسؤولٌ عن كل ما يجري، وبرحيله سينتهي كل شيء، فهل سيبدلون كلامهم بعد أيام عندما يشعرون أن الانفتاح قد أغلق بين (السين- سين)؟!
حسب المعلومات المتوافرة فإن الباب لم يُفتح أساساً لكي يُغلق. صمتَ «آل سعود» كثيراً عن التسريبات التي تحدثت عما جرى في اللقاء، لكنهم منذ الأمس حاولوا تسريب كل ما يمكن تسريبه عن فحوى اللقاء. بدايةً حاولوا اتهام السوريين بأنهم هم من سربوا خبر اللقاء بهدف إيقاع الفتنة بين مشيخات النفط، عبر طلب الأذن من دولةٍ خليجية لمرور طائرة «المملوك»، لكن هل يمكن لهم أن يشرحوا لنا ما الدولة الخليجية التي مرت فوقها طائرة «المملوك» لكي تطلب الأذن بالمرور؟ ولماذا؟
كذلك الأمر، حاولت تلك التسريبات أن تؤكد إخفاق اللقاء لأن «آل سعود» لديهم شروطٌ يجب أن تتحقق، وكأن «آل سعود» قادرون أساساً على فرض الشروط وخاصةً أن السوريين وكما نذكر دائماً لم يعد لديهم ما يخسرونه، لكن المشكلة تبدو بمن باتت داعش تضربه شمالاً وجنوباً وهو لا يقوى على الحراك، المشكلة بمن باعت حكومته منتصف الأسبوع الماضي سندات بقيمة 27 مليار دولار، لأنها باتت تعاني صعوباتٍ في تغطية نفقات الحرب على اليمن. والأهم من ذلك هو ما بات حديث الجميع بأن الخطر على «آل سعود» من «آل سعود» أنفسهم، فالملك لم يعد قادراً حتى على الرد على المكالمات الهاتفية، وولي العهد لا يبدو بحالة تناغمٍ مع «بن سلمان»، حتى «بن سلمان» الذي ينظر له الجميع كملكٍ «شاب» قادمٍ- ربما يمكن لجهوده أن تبدِّل نوعاً ما من صورة الحكم في المملكة عبر البدء بإصلاحاتٍ تحجِّم دور الوهابية القميئة- بدأ حياته السياسية بالتورط بدماء أطفال اليمن في حربٍ ليس فيها من رابحٍ بل الجميع خاسر.
أما النقطة الأخيرة فهي بداية تمردٍ خليجي على «آل سعود» أنفسهم، تحديداً ما يتم الحديث عنه بأن هناك اتفاقاً ضمنياً بين الأردن ومصر ومشيخة الإمارات وعُمان بأن الحرب على الإرهاب تبدأ من سورية، ويجب ألا ننتظر حتى وصول الإرهاب إلينا. وعليه فإن تماسك الجيش السوري سينعكس بايجابيةٍ على ذلك وهو ما لا يريح «آل سعود» بالمطلق، وهو ما يمكن فهمه من زيارة السيد وزير الخارجية إلى سلطنة عُمان تحديداً أن القيادة السورية تُكّن للقيادة العُمانية الاحترام الكامل، ولا يمكن أن تخذلها بما يخص فكرة التقارب بين جميع المعنيين بالحرب على الإرهاب، فالقصة لم تعد إنهاء الحرب على سورية فقط بقدر ما هي محاولة إبعاد النار عن المنطقة بالكامل، لكن ماذا عن حلفاء سورية؟
بواقعيةٍ تامة- وهذا ما لمسناه من ردات فعل السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي- كانت المبادرة الإيرانية محط استغراب الجميع- أياً كانت التوضيحات التي تلتها-، تحديداً إن دول العالم تسعى لتطوير دساتيرها لا العودة بها إلى العصور الحجرية. بالتأكيد لا يوجد أي مواطن سيعارض يوماً أن يتم تعديل الدستور في سورية، لكن بشرط أن يكون هذا التعديل يدفع بفكرة الدولة الجامعة خطواتٍ للأمام، لا أن يلبنن أو يعرقن دولة دفعت حتى الآن مئات الآلاف من الشهداء ثمناً لذلك، فالأقليات لا تُحمى بمواد دستورية، وأساساً فإن «دسترة» وجود الأقليات هو تشريع ربط كل أقليةٍ بدولةٍ خارجية كما يحدث في لبنان، ما يتيح للدول بشكلٍ غير مباشر مد النفوذ على حساب الأقليات.
من جهةٍ ثانيةٍ، لا تبدو إيران قادرةً على أن تطرح مبادرات، فهذا الأمر يجب أن يكون مرتبطاً بدولٍ قادرةٍ لحد ما أن تكون محتفظة بالحد الأدنى من العلاقات مع جميع الدول والأطراف المعنية- واقعياً تبدو عُمان أجدر بذلك-. وعليه فإن توقيت المبادرة الإيرانية كان مستغرباً، أكثر من بنود المبادرة ذاتها، فهل سيستعيد الروس ما بدؤوه في موسكو انطلاقاً من ضوءٍ أخضرٍ أميركي؟
لم يكن لقاء (كيري- لافروف) الأخير على مستوى الطموح، تحديداً لأن العقبة ذاتها ما زالت موجودة، من المعارضة المعتدلة- التي أقرت تقارير أميركية بفشل فكرة تدريبها- التي ستحارب الإرهاب بالتنسيق مع الولايات المتحدة؟ والأهم من سيرث تلك الأراضي التي سيتم تحريرها- سيتم تحريرها بالستين رجلاً التي دربتهم أميركا!-.
هذا الابتعاد بالرؤى أكده قبل أمس «فيتالي تشوركين» بالقول: إن عدم تعاون أميركا والغرب مع سورية في محاربة «داعش» يقوض من فاعلية محاربة الإرهاب، حتى الحديث عن الفترة الانتقالية قوضته بالأمس تصريحات أوباما المُسربة عن لقائه الصحفيين في البيت الأبيض، وتصريحات وزير خارجية «آل سعود» من إيطاليا عن الحل «الوحيد برحيل الأسد»، والأهم استمرار المغامرة التركية عبر قطعان أردوغان نحو حسمٍ ما في منطقة «الغاب». كل هذه المعطيات لا تشير إلى اقتراب أيّ تسوياتٍ، هي فقط نوعٌ من الذهاب حتى النهاية، لنعود للحكمة التي تقول: «الطامحون لحل المشكلة هم ذاتهم المشكلة»، فقطر وتركيا يريدان للقوات الستين أن يقاتلوا داعش فقط، أما الولايات المتحدة ولأن أسلوبها الهوليوودي لم يتبدل فهي تريد من هؤلاء الستين أن يحاربوا جميع التنظيمات الإرهابية والجيش السوري. من هنا نستدل على أنه ليست هناك جديّةٌ أميركية بأي تعاط، لا سياسياً ولا عسكرياً، فالولايات المتحدة مرتاحةٌ حتى لانفلات الوضع في مملكة «آل سعود»، لكن أشد ما بات يقلقها الآن هو لقطةٌ تتكرر كثيراً في الأفلام الهوليوودية؛ فبعد أن ينتصر محور الخير المفترض ويتبادلون الابتسامات والتهاني، يُفاجَأ أحدهم برصاصةٍ من عدوٍ كان يتظاهر بالموت، فتقتله، فهل هذا السيناريو سيتكرر مع الولايات المتحدة؟
كل الاحتمالات متاحةٌ، من هنا حتى تصديق الكونغرس على الاتفاق النووي الإيراني، فهل سيحاول نتنياهو المشاغبة أكثر في سورية لتكون تلك الرصاصة التي تقتل كل النجاحات من وجهة النظر الأميركية في المنطقة؟ ربما هذا الاحتمال سيكشف لنا الكثير مستقبلاً:
إن لم يصمت نتنياهو فهذا يعني أن الأمور باتت في مكانٍ آخر، وإن صمت فهذا يعني أن كل جعجعته كانت قبولاً ضمنياً بالاتفاق فرضتها الاستحقاقات الانتخابية. عندها فقط سنفهم ماذا يعني قرار مجلس الأمن 2235 المتعلق بالهجمات بالسلاح الكيميائي في سورية. هو أكبر من «مسمار جحا»، وأقل من مشهد الختام الهوليوودي، فمن سيكون البطل الذي سيُعطى دور «المجرم»؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن