احتكار العنف
| حسن م. يوسف
منذ أن وجدت رأسي فوق كتفي وبدأت أستخدمه في الكتابة وأنا أحاول أن أكون جسراً بين القارئ وما أرى أنه يستحق أن يُرى ويُسمع ويُقرأ في عالمي. والحق أنني جسدت رغبتي في أن أكون جسراً قبل زمن طويل من قراءتي لقول إسحاق نيوتن: «بنى الإنسان الكثير من الجدران، لكنه لم يبن إلا القليل من الجسور».
صحيح أن الإنسان تمكن باختراع الحيطان أن يحمي نفسه من الوحوش والأخطار، لكن أول بيت في التاريخ كان يحمل في داخله نواة أول سجن! فخوف الفرد من عربدة الطبيعة هو الذي دفعه لبناء البيت لحماية نفسه وأسرته، وخوف المجتمع من عنف وشذوذ بعض أفراده هو الذي دفعه لاختراع الدولة كي تنظم العلاقات بين أولئك الأفراد، وتصوغ وتنفذ القرارات التي تعبر عن مصالح أغلبية المجتمع، من خلال استخدام قوة الإرغام لضمان الالتزام بالقوانين. فالدولة على حد قول عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864 – 1920م). هي التي تحتكر وسائل «العنف الشرعي» في المجتمع. أي إن الدولة هي الطرف الوحيد الذي يحق له قانونياً استخدام العنف بحق من يمارسون العنف بحق أفراد آخرين!
يقول المثل الشعبي: «الفاخوري يستطيع أن يضع أذن الجرة حيث يشاء»، ولطالما عبثت الدول الاستعمارية بالمفاهيم والقيم، واستخدمتها غطاء لتبرير نهبها لثروات الشعوب. صحيح أن الحقبة الاستعمارية التقليدية قد ولت لغير رجعة لكن العقلية الاستعمارية لا تزال تحاول نخر استقلال البلدان النامية بشتى الطرق والوسائل، ولا يتردد الغرب في فعل أي شيء لضمان استمرار هيمنته ونهبه. فهم ينحتون المصطلحات التي تخدم أغراضهم وينشرونها من خلال إعلامهم ووسائل الإعلام التي تدور في فلكهم. فالغرب يشيد بأي تنظيم خارج عن القانون عندما يخدم سياساته، فقد وصفت جريدة نيويورك تايمز إرهابيي منظمة القاعدة في البداية عندما كانوا يقاتلون الاتحاد السوفييتي في أفغانستان بأنهم «مقاتلون في سبيل الحرية»، وعندما انقلبوا عليها وصفتهم بأنهم إرهابيون.
وتصف وسائل إعلام الدول الاستعمارية قوى الإرهاب التي تحارب الدولة السورية بـ«المعارضة المسلحة» رغم أن هذا المصطلح يجمع مفهومين متناقضين ينفي كل منهما الآخر، كما ينفي الليل النهار! فالمعارضة في كل بلدان العالم هي مجموعة أحزاب أو أفراد يختلفون مع الحكومة سياسياً ويعملون للحلول محلها، فإذا ما تمكنوا من ذلك بالطرق الدستورية السلمية انتقلت قوى الحكومة بدورها للعب دور المعارضة. وعندما تحمل هذه القوى السياسية السلاح، تتغير طبيعتها وتتحول إلى قوى (متمردة)، من لهم مصلحة معها يسمونها قوى ثورية ومن ليس لهم مصلحة معها ينعتونها بالإرهاب.
لا شك أن الحقيقة غالباً ما تكون هي أول ضحية تسقط في الحرب، على حد قول العظيم إسخيلوس، لكن التغطية الإعلامية للحرب التي تشنها الفاشية العالمية بالتحالف مع الفاشية المحلية على وطننا السوري، هي الأكثر فجوراً وافتقاراً للنزاهة في تاريخ الإعلام! فبعض المحطات الناطقة بالعربية تصف دخول الجيش العربي السوري البطل إلى الغوطة الشرقية بأنه (احتلال)!
لقد كرر القادة الغربيون بصيغ مختلفة العبارة التي أطلقها كاميرون عندما استهدف الإرهابيون عاصمة بلاده: «عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان».
لكن أولئك المنافقين يريدون من الدولة السورية أن تسكت عن وجود جيش من الإرهابيين يهدد عاصمتنا دمشق في الليل والنهار بحجة أنهم «معارضة»! وهذا أقصى أشكال النفاق والانفصام!
صحيح أنني عشت حياتي كرجل مسالم، ولكي تتاح الفرصة لإخوتي السوريين كي يعيشوا حياتهم مسالمين فلا بد أن تستعيد الدولة السورية حقها الحصري في احتكار العنف كي تستعيد سلطتها على كامل أرض الوطن من خلال تطبيق القانون وقمع العنف الذي يمارسه الأفراد بحق بعضهم بالشدة القصوى.