تساؤلات قمة أنقرة
| مازن بلال
أظهرت تركيا صورة مفتعلة خلال استضافتها لقمة الدول الضامنة، فالحالة البروتوكولية تفوقت على طبيعة هذا اللقاء الذي بقي تعبيراً عن توافقات قديمة بين روسيا وتركيا وإيران، على حين بقيت الأسئلة حول طبيعة أدوار هذه الدول في سورية والإقليم عموماً غامضة، ورغم أن هذا اللقاء يعكس التشابك القوي بين أنقرة وموسكو وطهران، إلا أنه في الوقت نفسه أجل بعض الاستحقاقات الأساسية وبالتحديد بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية، فهذا التحالف الثلاثي الذي يشكل اليوم محورا يواجه تعقيدات في «الحلقة التركية»؛ فهي الوحيدة التي ترتبط جغرافيا بسورية وعسكريا بحلف الناتو.
ما يواجهه هذا المحور يظهر في طبيعته المرنة، فهو يتشكل على قاعدة روسية بالدرجة الأولى، وهو في الوقت نفسه يعكس تناقضات النظام الدولي العاجز عن تحديد مسارات جديدة، فموسكو التي ترغب بعلاقات آسيوية مفتوحة لا تهتم كثيراً لطبيعة الدول التي تدخل ضمن المنظومة الجديدة لشرقي المتوسط، وهي ترسم بفعل هذه العلاقات حزاما على حدوها الآسيوية يكشف طبيعة إستراتيجية أمنها، ويوضح أيضاً أن حربي الشيشان الأولى والثانية وسمت توجهاتها العامة، فالكرملين يسعى لإغلاق هذه المساحة التي يمكن أن تتحرك بها المنظمات المتطرفة، وتبدو حربه في سورية حلقة يتمحور عليها هذا الأمر.
عمليا فإن مؤتمر أنقرة شكل مرحلة «الثقة» بالعلاقة الآسيوية مع دولتين تشكلان ركيزة في مسألة «الأمن الروسي» بالدرجة الأولى، وتملكان امتداداً داخل دول آسيا الوسطى في المستوى الثقافي على الأقل، ولكن الأسئلة الأساسية هنا ترتبط بالوضع السوري، فانعكاس هذه «الثقة» يمكن النظر إليه في تصورات الدول الثلاث حول سورية، فالواقع بعد مؤتمر أنقرة يطرح ثلاث نقاط رئيسية:
– إن الطبيعية الإستراتيجية لكل دولة تجاه سورية تطرح تناقضاً صارخاً؛ حيث لا يكفي تأكيد وحدة الأراضي السورية بهذا الخصوص، فهناك سياسات واضحة بالنسبة لكل دولة تبين أن تحقيق هذا الأمر يواجه احتمالات مختلفة.
تركيا مهتمة بتقليص الدور السوري شرق أوسطياً، فهي تراه منافساً في قضايا أساسية وخصوصاً على مستوى عقدة الطاقة والتجارة، على حين ترى إيران سورية بوابة مهمة في مواجهتها لاحتمالات أي حصار أميركي عليها، وهي أيضاً المساحة الأساسية لطهران باتجاه شواطئ المتوسط، أما موسكو فسورية عقدة التوازن ونموذج لتوازنات مختلفة في آسيا.
– النقطة الثانية هي مسألة خطوط المواجهة مع الولايات المتحدة، حيث لا تريد موسكو أن تصبح سورية نموذجاً معاصرا للكوريتين، في وقت تدخل تركيا عبر الموضوع الكردي في هذا الاحتمال.
ما يهم تركيا هو طبيعة أي كيان كردي يمكن أن يظهر شرقي الفرات، فالمسألة بالنسبة لها هي نوعية القوى التي تعتمد الولايات المتحدة عليها (حزب الاتحاد الديمقراطي)، وليس ظهور حالة كردية في شرقي الفرات تشبه إقليم كردستان العراق.
– أخيراً فإن إيران مهتمة بجبهة قوية تبعد احتمالات الحصار أو الحرب عليها باستخدام الجغرافيا السورية، وهي مهتمة بسورية لاستبعاد احتمال استخدامها من «إسرائيل» أو غيرها لتطويق إيران.
مؤتمر أنقرة جمع التناقضات في إطار قوة المحور الذي شكلته موسكو، على حين أبدت تركيا مظهرا يريد مقاربة الدور الروسي والإيحاء بأن تركيا هي دولة «الترجيح» في هذا المحور، فالدول الثلاث أظهرت نجاحا واضحاً في محاصرة الأزمة السورية، ولكن تعقيدات العلاقات الشرق أوسطية ستطرح دائماً إمكانية إبقاء فعالية هذا المحور في مواجهات سياسية تحدد منظومة الشرق الأوسط المستقبلية.