قضايا وآراء

وفي العراق أيضاً وقاحة وعربدة أردوغانية

| أحمد ضيف الله

ما إن أنهى رئيس أركان الجيش التركي خلوصي آكار زيارته إلى بغداد في الأول من آذار الماضي، حيث جرت «مناقشة العلاقات العسكرية بين العراق وتركيا في مجالات التدريب ومكافحة الإرهاب، وتفعيل الجهد الاستخباري والأمني بين البلدين» حتى توغلت القوات التركية داخل الأراضي العراقية في الـ18 من الشهر ذاته، في ناحية سيدكان التابعة لمحافظة أربيل، بعمق 15 كم وأقامت معسكرات لها فيها، أعقبه قيام الطيران التركي صباح الـ22 منه، بقصف عدة قرى شمال شرق محافظة أربيل، ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وتدمير عدد من المنازل.
وضمن هذه الأجواء، اتخذ حزب العمال الكردستاني «PKK» في الـ23 من آذار المنصرم، قراراً بالانسحاب من منطقة سنجار، مؤكداً أن «الوضع الأمني في سنجار أصبح مستتباً وأن الأكراد الآيزيديين أعادوا تنظيم صفوفهم وأصبحوا قادرين على حماية أنفسهم»، وأنه اتخذ القرار بسحب قواته «بقلب سعيد وآمن»، وأكد نائب رئيس الوزراء بكر بوزداغ المتحدث باسم الحكومة التركية في مؤتمر صحفي في الـ26 من آذار الماضي، من أن «هناك معلومات حول سيطرة الجيش العراقي اليوم على المنطقة الممتدة من ناحية ربيعة، الحدودية مع سورية، إلى أم الجاريس غربي سنجار، واستخباراتنا أكدت تلك المعلومات».
ومن ثم ما كان قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الـ25 من آذار الماضي: «إننا سندخل سنجار، والآن العمليات بدأت هناك»، والذي نفت صحته كل التصريحات العراقية والكردية، إلا لاستثمار حدث قد حصل قبلاً، إضافة إلى رغبته في معرفة ردود فعل الرأي العام التركي، ومدايات المواقف العراقية من تحرك مماثل.
إن حزب العمال الكردستاني الـ«PKK» ينشط في العديد من المدن والبلدات الكردية العراقية المحاذية للحدود بين العراق وتركيا، ويتخذ منها معقلاً له منذ عام 1984، كذلك كان في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى، حيث أغلب مقاتليه من آيزيديي العراق الذي انضموا إلى الحزب لاحقاً، إثر مساعدته الأهالي على الهروب من سنجار، بعد سيطرة تنظيم داعش عليه في الـ3 من آب 2014، إثر انسحاب قوات البيشمركة منها، من دون قتال، معرضة الرجال للقتل والنساء للسبي، والبيع لاحقاً.
يمكن القول: إنه لا يكاد يمر شهر واحد من دون أن يشن الطيران الحربي التركي غارات على قرى ومواقع في الشمال العراقي، عدا عن توغل القوات التركية أحياناً في عمق الأراضي العراقية لمسافات كبيرة، بحجة ملاحقة مقاتلي الـ«PKK»، كان آخرها التوغل الأخير.
إن لتركيا «18» قاعدة ومقراً عسكرياً وأمنياً استخباراتياً في محافظة دهوك وقضاء زاخو وسوران شمال شرق أربيل، التي هي مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود بارزاني، وتعود القواعد التركية في إقليم كردستان إلى تسعينيات القرن الماضي، ومن أبرزها قاعدة «بامرني» التي أنشئت عام 1997، وهي قاعدة لوجستية عسكرية ضخمة تحتوي على مهبط للطيران وعشرات الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة، إضافة إلى وجود أكثر من 500 جندي تركي ثابت فيها، وقاعدة «بعشيقة» التي أنشئت عام 1995، التي تعد ثاني أكبر قاعدة عسكرية تركية في العراق، كذلك يمتلك الجيش التركي أربعة مقرات أمنية استخباراتية رئيسة داخل مدن ونواحي إقليم كردستان، في مركز قضاء العمادية، ومدينة باطوفان، ومدينة زاخو، ومدينة دهوك، مهمتها مراقبة تحركات مقاتلي حزب العمال الكردستاني، متسترة وراء واجهات شركات تجارية وإعمارية، وبعلم سلطات إقليم كردستان.
وتوغلت القوات التركية في الـ3 من كانون الأول 2015، داخل الأراضي العراقية من دون موافقة الحكومة العراقية أو طلب منها، وأقامت معسكراً في ناحية بعشيقة التابعة لمحافظة نينوى، التي تقع على بعد 12 كم شمال شرق مدينة الموصل، مدعية أنه لتدريب متطوعين من أبناء مدينة الموصل، للمشاركة في تحرير مدينتهم من تنظيم داعش، مما تسبب بنشوء جدل كبير، وأزمة سياسية متصاعدة وحادة بين البلدين بشأن شرعية تواجد القوات التركية، وتشير التقديرات إلى أن معسكر بعشيقة يضم نحو ألف جندي تركي، إضافة إلى نحو 25 دبابة، و20 مدرعة، والعديد من عربات نقل الجنود.
وعلى الرغم من المطالبات العراقية بانسحاب القوات التركية من معسكر ناحية بعشيقة، وقيامها بتقديم شكوى ورسالة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي، وقيام القوات العراقية بتحرير كامل محافظة نينوى من تنظيم داعش لاحقاً، ما زالت القوات التركية في الناحية حتى تاريخه، وهي لم تشارك، وكذلك من دربتهم بقيادة محافظ نينوى المُقال أثيل النجيفي، في عملية تحرير محافظة نينوى من تنظيم داعش.
إن العلاقات التركية العراقية، لم تشهد منذ عام 2003 أية فترة توافق أو ثقة، وخاصة خلال فترة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فهي ما تكاد تمر بفترة هدوء نسبي، حتى تعود للتوتر مجدداً، وهي غير مرتبطة بوجود عناصر حزب العمال الكردستاني على الحدود المشتركة ما بين البلدين، بل مرتبطة بسلوك عدائي عثماني كاره للعرب عموماً، على خلفية نجاح العرب في التحرر من الاحتلال العثماني.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، استدعت الخارجية العراقية السفير التركي يونس دميرار في الـ17 من أيار 2012، وأبلغته احتجاج العراق «على بعض أنشطة القنصلين التركيين العامين في كل من البصرة والموصل، والبعيدة عن واجباتهم والتزاماتهم القنصلية المحددة باتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963»، من دون تحديد تلك الأنشطة.
وكانت تركيا قبلاً، قد رفضت تنفيذ مذكرة التوقيف الحمراء التي أصدرتها الشرطة الدولية «الإنتربول» في الـ8 من أيار 2012، بحق نائب رئيس جمهورية العراق طارق الهاشمي في ذلك الوقت، الذي هرب إلى تركيا لاتهامه بجرائم إرهابية، ومنحته رداً على ذلك حق الإقامة الدائمة في تركيا.
كذلك استدعت الخارجية العراقية في الـ3 من آب 2012، القائم بالأعمال التركي مولود ياقوت، وأبلغته «احتجاج الحكومة العراقية الشديد على زيارة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو محافظة كركوك من دون علم الحكومة الاتحادية»، مطالبة «تفسيراً عاجلاً لما حدث»، وموافاتها «بأسباب هذا الانتهاك»، موضحة في بيان لها أن زيارة أحمد داود اوغلو لكركوك جرت «بدون علم وموافقة وزارة الخارجية ومن دون اللجوء إلى القنوات الرسمية والدبلوماسية»، وقد قام أوغلو خلال وجوده في كركوك بزيارة مقر الجبهة التركمانية وقلعة كركوك ومراقد دينية وأثرية وقبور الضباط والجنرالات العثمانيين الذين دفنوا في مقبرة قلعة كركوك.
ورغم ذلك، لم توقف السلطات التركية وقاحتها وتجاوزاتها على الدولة العراقية، إذ توجه وزير الطاقة التركي تانر يلدز إلى مدينة أربيل في الـ5 من كانون الأول 2012، لحضور مؤتمر للطاقة فيها، إلا أن سلطة الطيران المدني العراقية لم تسمح لطائرته «بالهبوط في مطار أربيل في إقليم كردستان، بسبب عدم حصول هذه الرحلة على الموافقات القانونية».
إن تركيا، وعلى الرغم من مواقفها المتشددة والرافضة للحقوق الكردية المدنية، تعاملت مع إقليم كردستان وكأنه دولة مستقلة، بالنكاية من الحكومة العراقية المركزية.
إن سوء العلاقة والتوتر الذي طبع العلاقات العراقية التركية، تغذيه أطماع تركية تاريخية في الدولة العراقية، وخصوصاً في «ولاية الموصل»، مُسوق بخطاب عرقي طائفي، فتركيا من أوائل الدول المحيطة بالعراق التي اعترضت على مشاركة قوات الحشد الشعبي في قتال تنظيم داعش، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مقابلة مع قناة «الجزيرة» القطرية في الـ18 من نيسان 2017: «من هؤلاء الحشد الشعبي، من الذي يدعمهم؟ البرلمان العراقي يؤيد الحشد الشعبي، ولكن هم منظمة إرهابية بصراحة، ويجب النظر إلى من يقف وراءها»، مضيفاً: إن الحشد الشعبي «يعملون في جبل سنجار ويعملون ضد تلعفر وهناك 400 ألف تركماني في تلعفر بعضهم شيعي وبعضهم سنّي وهؤلاء تم تشتيتهم ونفس الشيء نراه في العاصمة العراقية».
ما دفع وزارة الخارجية العراقية في الـ19 من نيسان 2017، إلى استدعاء السفير التركي في بغداد فاروق قيماقجي، وتسليمه مذكرة احتجاج على التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي، كما صدرت بيانات لنواب عراقيين اعتبروا أن «دكتاتور تركيا أردوغان المنبوذ داخلياً ودولياً يعد الحشد الشعبي منظمة إرهابية لأن كل من يتصدى لداعش هو في نظره إرهابي»، مشيرين إلى أن «هذا الشخص باتت أجنداته في العراق وسورية مفضوحة وواضحة تماماً، فهو يدعم الإرهاب بشكل علني من دون أي خجل وهو على اتصال مباشر بقيادات داعش في المنطقة وهو الذي يرسم خريطة تحركاتهم ويدعمهم بشكل مباشر إذا تطلب الأمر».
هذه هي تركيا العثمانية، وقحة ومتآمرة وغادرة في العراق، مثلما هي في سورية، فلمَ العجب؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن