حتى يَنفذوا من سَمِّ الإبرة!
| رفعت البدوي
تابع المراقبون مجريات ونتائج القمة التي انعقدت في العاصمة التركية أنقره بين الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني.
صحيح أن القمة خرجت ببيان أكد الرؤى المشتركة لمواجهة التحديات في ما خص الأزمة السورية إضافة إلى تأكيد وحدة الأرض والحفاظ على سيادة وتماسك الدولة السورية وهذا بحد ذاته يعتبر مكسباً مهماً للدولة السورية خصوصاً إذا ما أخذنا بعين بالاعتبار تراجع الموقف التركي السابق الذي دعا فيه أردوغان إلى تقسيم سورية وتغيير نظامها، بيد أنه على الرغم من الصورة التي أظهرت تماسك الزعماء الثلاثة أردوغان وبوتين وروحاني إلا أن الخلاف الإيراني التركي بدا واضحاً خصوصاً التباين الذي ظهر جلياً بين الموقفين الإيراني والتركي لجهة عدم تأييد الجانب الإيراني لعملية غصن الزيتون والسيطرة على منطقة عفرين والنية التركية في احتلال منطقة تل رفعت الإستراتيجية في الشمال السوري.
الملاحظ أن أردوغان تعمد التصريح بعد القمة قائلاً إننا سنعيد تسليم منطقة عفرين إلى أصحابها لكن أردوغان لم يسم أصحاب عفرين بالاسم ما أكد عزم أردوغان الاستمرار بعزف اللحن الأميركي لكن على أوتار روسية.
إن ما صرح به أردوغان عقب القمة يعبر عن نية تركية مبيتة في تنفيذ روزنامة خاصة بأردوغان نفسه لكنها مغايرة عن التوجه الإيراني، إلا أن الرئيس الإيراني كان واضحاً وبلغة لا تخلو من الحزم حين قال: إن قمة أنقرة تأتي استمراراً لمقررات مؤتمر أستانا وإن تطورات الوضع في عفرين يجب أن تؤدي إلى تسليمها لقوات الجيش العربي السوري.
التباين الإيراني التركي بدا واضحاً خصوصاً في ما خص عملية غصن الزيتون التركية في الشمال السوري لكن بوجود قائد أوركسترا مثل الرئيس فلاديمير بوتين كفيل بضبط الإيقاع بين الحلفاء بدءاً من تشبيك المصالح من البوابة الاقتصادية المؤدية إلى إبراز المواقف الداعمة للدولة السورية.
على الرغم من أهمية نتائج القمة الثلاثية في أنقرة إلا أن الأهم من القمة الثلاثية هو ما تمخض عن القمة الثنائية التي عقدت بين الرئيسين بوتين وأردوغان وذلك قبل يوم واحد من اجتماع الرؤساء الثلاثة حيث أعلن عن اتفاقية تعاون في غاية الأهمية لناحية تشبيك مستقبل الطاقة بين البلدين من خلال البدء في بناء أول محطة نووية لتوليد الطاقة التركية بعد أن شارك الرئيسان التركي والروسي في وضع حجر الأساس لبناء محطة «إك كويو» النووية في منطقة مرسين التركية بتكلفة 20 مليار دولار أميركي، كما تم الاتفاق على إيلاء شركة «روزاتوم» الروسية المتخصصة ببناء المفاعلات النووية مهمة تنفيذ إنشاء المحطة التركية وإدارتها.
أما من ناحية التعاون العسكري فقد أعلن عن بدء روسيا في تصنيع المنظومة الصاروخية S400 المتطورة والشروع في تسليمها إلى تركيا قبل الموعد المتفق عليه، في خطوة اعتبرت الأهم على صعيد التعاون العسكري بين البلدين خاصة أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، الأمر الذي استفز الولايات المتحدة ما دفعها إلى تهديد تركيا باللجوء إلى فرض عقوبات اقتصادية عسكرية عليها في حال إتمام صفقة المنظومة الدفاعية الروسية.
أما من ناحية العقوبات العسكرية فقد جرى إبلاغ الجانب التركي نية البنتاغون نقل قاعدة أنجرليك الأميركية من تركيا إلى اليونان في حال إصرار تركيا على المنظومة الروسية S400.
نستطيع القول إن فلاديمير بوتين نجح في تشبيك المصالح النووية والاقتصادية بين كل من تركيا وروسيا أقله للعقدين القادمين وكما هو معلوم فإن الاقتصاد النووي هو المفتاح للولوج إلى التشبيك السياسي.
أما في الجانب العسكري فإن إستراتيجية بوتين بتسليم تركيا للمنظومة الصاروخية الروسية المتطورة نجحت في دق إسفين متين بين الناتو وتركيا ما دفع الأخيرة للاقتراب أكثر صوب تأمين مصالحها الكبرى مع روسيا.
إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته سحب قواته من سوريه وترك الآخرين الاهتمام بهذا البلد، جاء بالتزامن مع انعقاد قمة بوتين أردوغان الثنائية في تركيا للأسباب التالية:
1- بغية تقديم جائزة ترضية إلى تركيا كي لا تذهب بعيداً في تنفيذ تشبيك المصالح الاقتصادية والعسكرية مع روسيا ما يجعل تركيا أقرب للسيمفونية الروسية في مقابل تخلي أميركا عن دعم الأكراد وإطلاق يد أردوغان في معالجة أمر الجغرافيا مع الكرد على الحدود السورية التركية، وبذلك تضمن أميركا استمرار الفوضى في الشمال السوري لأطول فترة ممكنه عدا إمكانية اللعب على وتر تفاقم التباين الحاصل بين إيران وتركيا ما يمنح أميركا الوقت لاستيعاب المتغيرات المعاكسة لها.
2- لم يكن من قبيل المصادفة إعلان ترامب الانسحاب من سورية بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لواشنطن بيد أن الإعلان جاء بهدف ابتزاز السعودية بشكل فاضح حيث هرع محمد بن سلمان بالقول لمجلة «اتلانتيك» إن الرئيس بشار الأسد باق وأتمنى بقاء القوات الأميركية في سورية لأنها تشكل الحاجز الأخير بوجه التوسع الإيراني في المنطقة، لينبري ترامب بالطلب من السعودية وبكل وقاحة دفع مبلغ 4 مليارات دولار أميركي تكاليف بقاء القوات الأميركية في سورية لمدة ستة أشهر إضافية.
سقطت الأوراق وأفرغت الجيوب وتهاوت أدوات المؤامرة على سورية ولم يبق في جعبهم سوى استمرار العزف على فبركة ملفات وتلفيق اتهامات في محاولة إبقاء الأزمة السورية لأطول وقت ممكن والبحث عن منافذ أخرى ولن يفلحوا حتى يَنفذوا من سَمِّ الإبرة.