في السعودية: لا وجود للوهابية!
| عبد المنعم علي عيسى
لا بد هنا قبل كل شيء من القول: إن الخلاف بين «الإخوان المسلمين» والنظام السعودي الذي نراه محتدماً هذه الأيام، هو خلاف بين أفراد البيت الواحد على لمن ستكون الغلبة أو السيادة، لأن الاثنين يقومان على المشروعية الدينية نفسها، ولذا فهما لا يجتمعان في «قدر» واحد بل إن احدهما يجب أن يكون ملغياً للآخر.
في موسم حج 1936 التقى مؤسس تنظيم «الإخوان المسلمين» الشيخ حسن البنا الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، وفي ذلك اللقاء طلب الأول من الثاني السماح بإنشاء فرع سعودي لتنظيمه الذي كان قد أعلنه في القاهرة في عام 1928، وفي حينها رد الملك السعودي على ذلك الطلب بالقول: «كلنا إخوان وكلنا مسلمون»، وهو جواب سياسي لكنه يحمل رفضاً قاطعاً إذ لم يكن معقولاً للعاهل السعودي أن يقوم بإعطاء خنجر حاد لخصمه لكي يطعنه به.
وفي 30 آذار الماضي نشرت جريدة «التايم» الأميركية مقابلة مطولة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأثارت الآراء الواردة فيها الكثير من الاستغراب لجهة أنها تمثل انقلاباً حقيقياً في مسار القناعات والرؤى التي اعتمدها النظام السعودي في قيادته للمملكة، وربما كان أحد أكثر تلك التصريحات إشكالية هو الذي قال فيه: «لا يوجد هناك مذهب وهابي في المملكة، ونحن لدينا مذهبان فقط هما السني والشيعي»، وقد أراد ولي العهد السعودي بذلك اصطياد العديد من العصافير بطلقته تلك، فهو أولاً، يريد أن يتفادى السهام الغربية التي ما انفكت تتوالى ولا توقفها إلا أكداس المال، والمؤكد هو أن الغرب لا يزال يتبنى رؤية تؤمن بأن المجتمع السعودي بتركيبته وعقيدته يمثل مرتعا خصبا للعنف والتطرف، وهذه الرؤية ترسخت أكثر بعيد أحداث أيلول 2001 ولم تزل الذاكرة الغربية تحفظ أن 16 من أصل 19 ممن نفذوا تلك الهجمات كانوا من السعوديين أي الوهابيين، كما يريد ابن سلمان إرسال رسالة إلى الخارجين الأميركي والغربي، ومفادها أن ثمة فراقاً قد بدأ وهو لن يتوقف بين السلطتين السياسية والدينية على الرغم من تحالفهما التقليدي والوثيق منذ مطلع القرن الثامن عشر، وهو التحالف الذي قامت على أساسه الدول السعودية الثلاث، وخير دليل على ذلك الفراق هو الانفتاح غير «المسقف» الذي تشهده المملكة في هذه الأيام ووصل إلى تغيير المناهج الدراسية فيها جذريا تحت إشراف خبراء غربيين وأميركيين، وهذي الرسالة تريد أن تقول للغرب: إن عليه أن يسارع فوراً إلى دعم السلطة السياسية السعودية في مواجهة السلطة الدينية التي تتمتع بنفوذ كبير في أوساط شرائح شعبية واسعة، ثم إن ابن سلمان يدرك ولا شك أن المحيط الإسلامي لم يبد تضامنه مع الوهابية التي استل الغرب سيوفه عليها، بل إن ذلك المحيط كان قد عمل على التنصل من أي غطاء يمكن أن يقدمه إليها، وهو ما تمظهر في قمة «غروزني» الإسلامية في أيلول 2016 التي قامت بتعريف «أهل السنة والجماعة» وقد استثنى ذلك التعريف السلفية الوهابية ولم يعمل على ضمها إلى شطآنه، وذاك تقدير معرفي وفكري دقيق وهو يؤكد أن واضعيه على دراية بالجذور التي أنتجت ذاك «الفرع»، وجدير بالذكر هنا أن الأغلبية الساحقة من المراجع والأبحاث تقول إن الفكر الوهابي يعود في منابعه إلى مذهب الإمام أحمد ابن حنبل، ومن ثم إلى أفكار ابن تيمية قبل أن يعمد محمد بن عبد الوهاب إلى إخراجه على الصورة التي نراه عليها، والمؤكد أن تلك «العودة» بالوهابية إلى تلك المنابع هي خاطئة تماماً و«الفرع» هنا لا يتلاقى مع «الجذر» إلا في التشدد وهو لقاء مصادفة ولا جذور فكرية له، فالوهابية تقوم أساساً على «الجهمية» نسبة إلى صفوان بن جهم الذي قتل في عام 128هجري، وهذي الأخيرة، أي الجهمية، تقوم على فكرة فلسفية تقول: «إن أي شيء هو غير مجسم فإنه غير موجود»، ومن الواضح أن تلك الأفكار كانت تريد إحداث فوضى فكرية في الإسلام تمهيداً لنسف تراثه الذي كان قد استطاع الوصول بالإسلام إلى قوة عالمية، وإحلال آخر مكانه تماماً كما هدفت العديد من النظريات الأخرى مثل «الإباضية» نسبة إلى عبد الله بن أباض الذي قال بفكرة «خلق القرآن» وحركة القرامطة «الاشتراكية»، يذكر أنه وفي موسم حج 2013 كان قائد «جيش الإسلام» السابق زهران علوش قد التقى الشيخ سليمان العلوان المعروف بدعمه للسلفية الجهادية، وفي ذلك اللقاء قام هذا الأخير بتوبيخ زهران كما أنكر عليه «جهميته» أي إيمانه بالجهمية منهجا ومذهبا له.
ما يجري في السعودية اليوم هو محاولة لإنتاج إيديولوجيا جديدة ناسفة لما قبلها، وهي تلبي مطالب الخارج أولاً، إلا أنها محفوفة بالمخاطر ونجاحها أمر يبدو صعباً، فهناك عشرات الآلاف من الخلايا والمجموعات التي تجذّر فيها فكر الوهابية التقليدي، وهذه الأخيرة لن تدخر جهداً في مواجهة ما تراه خروجا على الوهابية.