رسائل الردع الروسية من قلب سورية
| تحسين الحلبي
لا أحد يشك بموجب كل ما ظهر من تصريحات أميركية سياسية وعسكرية وإعلامية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجد نفسها منذ اتهام سورية المفبرك حول السلاح الكيميائي في دوما، في وضعية الذي يعد علناً لهجوم عسكري أميركي مباشرة على أهداف في سورية، ومنذ انعقاد أول جلسة لمجلس الأمن الدولي قبل أيام حتى الآن يتصاعد الإعلان الأميركي عن التحضيرات والحشد الحربي ضد سورية.
بالمقابل يرى الجميع أيضاً أن سورية وحلفاءها يقومون بصد هذا التحضير الهجومي العدواني بكل الوسائل السياسية وبالاستعدادات العسكرية الرادعة، ويلاحظ الجميع أيضاً أن موسكو حققت درجة من القدرة على تحقيق إمكانية واضحة المعالم من الردع الذي يقدر له إجبار واشنطن على التراجع عن عدوانها العسكري المباشر في أغلب الاحتمالات أو إعادة النظر في حجمه.
لقد أصبحت رسائل موسكو الرادعة واضحة وبشكل علني كان في مقدمتها التصريح الرسمي الروسي بأن «أي هجوم عسكري تشنه واشنطن على سورية سيحمل مضاعفات كبيرة على الولايات المتحدة»، ثم جاء تصريح السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين أمس بأن «كل صاروخ تفكر واشنطن بإطلاقه على أهداف في سورية سيتم إسقاطه قبل وصوله لهدفه» بل إن موسكو بعثت برسالة غير مباشرة لإدارة ترامب تؤكد له فيها أنها جاهزة لكل مضاعفات تفرضها عملية التصدي السوري الروسي للعدوان الأميركي، فقد أعلن بموجب ما ذكرتها وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية أن «التلفزيون الرسمي الروسي أعلن عن دعوة الجمهور الروسي ألا يخشى من أي نتائج لحالة التوتر المتصاعدة بين واشنطن وموسكو وأن مذيع التلفزيون حدد للجمهور عدداً من الاحتياجات الشخصية التي يتعين عليهم حملها معهم عند التوجه للملاجئ»، فمثل هذه الصراحة بالإعلان عن هذا الأمر تدل على استعداد موسكو لكل ما يمكن أن ينشأ عن تصديها للعدوان الأميركي إلى جانب الجيش العربي السوري.
الإدارة الأميركية لم تجد نفسها مطالبة بتوجيه أي رسالة للجمهور الأميركي القلق من تصاعد التوتر مع موسكو الناجم عن الإعلان عن تحضيراتها لشن هجوم على سورية يؤدي إلى احتمال الصدام العسكري مع موسكو، بالمقابل كان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الذين اهتموا كثيراً بمضاعفات هذا التوتر الأميركي الروسي على إسرائيل واحتمال تورطها فيه، فقد طلب من سلاح الجو زيادة درجة التأهب خوفاً من أن يقوم الجيش السوري بالرد على العدوان الإسرائيلي الصاروخي على مطار «التيفور» السوري، وطلب من وزرائه بعد استدعاء وزارة الخارجية الروسية لسفير إسرائيل في موسكو للاحتجاج الشديد على استهداف الصواريخ الإسرائيلية للمطار السوري، ألا يطلقوا أي تصريحات في ظل حالة التوتر الحساس بين موسكو وواشنطن خوفاً من دفع ثمنه.
ويعتقد أن رسائل الردع الروسية هي التي دفعت ترامب إلى القول في صفحته في «تويتر» بعد ظهيرة أمس: «إن الصواريخ الأميركية ستأتي ذكية وجديدة ولا يجب أن تكون روسيا حليفة لسورية».
يبدو من الواضح أن مثل هذه الرسالة التي سارع ترامب إلى الإعلان عنها، هي جزء من حرب تبادل «الردع» التي تظهر لأول مرة بهذا الشكل في علاقات الدولتين الكبريين في ظل وجود رئيس أميركي قابل للتراجع بموجب سجل التراجع الذي فرض عليه في مناسبات عديدة، ولذلك يرى الخبراء في وزارة الدفاع الأميركية أنهم قد يقنعون ترامب بقصف بعض مصانع الكيماويات السورية طالما أن المسألة تتعلق باتهام سورية باستخدام سلاح كيميائي، وتشير صحيفة «ساندييغو تريبيون» الأميركية إلى أن واشنطن ستحاول تجنب أي صدام مسلح مع روسيا سواء في سورية أو خارجها.