اقتراحات لإعادة تدوير احتياطات الشركات المساهمة في خدمة الاقتصاد الوطني
| فراس شربجي
شكلت سوق الأوراق المالية في دمشق علامة فارقة من علامات نمو الاقتصاد السوري باتجاه ما يعرف باقتصاد السوق الاجتماعي مصحوبة بعدد كبير من الإصلاحات الاقتصادية الأخرى التي شهدتها سورية مطلع الألفية الثالثة، ولعل النمو المطرد في حجم الشركات المدرجة في السوق نوعاً وكماً إضافة إلى الطفرة في الأنظمة والقوانين المتعلقة بإدارة أعمال السوق والشركات المدرجة يشهدان على الأهمية والعناية والجهد المبذول من الحكومة في سبيل تطوير أعمال وأداء السوق المالية بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بشكل عام.
ورغم الحصار الاقتصادي الطويل المترافق مع العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضت على البلاد من الدول التي ساهمت في إشعال فتيل الأزمة في سورية وفي تأجيج الصراع وتغذية العناصر الإرهابية ودعم المجموعات المسلحة الإرهابية التي عاثت فساداً في أمن الوطن واقتصاده، إلا أن حنكة ومرونة الحكومات السورية المتعاقبة جنبت سوق الأوراق المالية أي هزات أو انهيارات كبرى كان يراهن عليها عدد كبير من الحكومات المعادية لسورية حكومةً وشعباً التي ما فتئت تبذل شتى الوسائل بهدف التأثير في الاقتصاد السوري وهز الليرة السورية والنيل منها.
غير أن سنوات الأزمة الطويلة مصحوبةُ بالحصار الجائر كان لا بد لها من ترك الكثير من الآثار السلبية في اقتصاد البلاد وتجلى ذلك بشكل كبير في انخفاض الصادرات نتيجة خروج العديد من الشركات والقطاعات الاقتصادية عن الخدمة بسبب عمليات المجموعات الإرهابية، وفي زيادة الواردات لتغطية العجز في الإنتاج وحاجات المواطن من السلع والخدمات الرئيسة، وهو ما أدى إلى ازدياد الضغوط على الليرة السورية وسعر صرفها، ونجحت الحكومة في الحد من هذه الضغوط من خلال العمل على تخفيض سعر الليرة بشكل تدريجي بما يكفل استمرار الاستقرار النقدي في البلاد.
بفعل انخفاض سعر صرف الليرة واستمرار الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية في تقديم خدماتها وتحسين أدائها ومواءمة أعمالها وفقاً لمتطلبات الأزمة وبما ينسجم مع القرارات الاقتصادية المتخذة من الحكومة ومن إدارة السوق المالية نفسها لضمان تثبيت الاستقرار الاقتصادي في البلاد، تراكمت لدى هذه الشركات احتياطات كبيرة من الليرة السورية فاقت في بعض الأحيان رأسمال هذه الشركات نفسها وأدرجت هذه الاحتياطات في موازناتها ضمن بند حقوق المساهمين في محاولة لحماية هذه الشركات ومساهميها من تكبد الخسائر الكبيرة التي قد تنجم عن الهبوط الكبير في سعر صرف الليرة مقارنةً بالأسعار التي كانت متداولة عند تأسيس أغلبية هذه الشركات في العقد الأول من الألفية الحالية.
في مقارنة عامة نجد أن مجموع رساميل الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية في دمشق الرئيس والموازي يصل إلى ما يقارب الـ76 مليار ليرة سورية على حين أن مجموع الاحتياطات المدرجة ضمن بند حقوق المساهمين لدى هذه الشركات يصل إلى ما يقارب الـ320 مليار ليرة سورية وفقاً لنتائج هذه الشركات المعلنة لدى هيئة السوق المالية بنهاية العام 2017، وتشكل حقوق المساهمين في بنك قطر الوطني وحده ما يقارب الـ72 مليار ليرة سورية ويصل في بعض المصارف الأخرى كبنك سورية والمهجر وبنك سورية الدولي الإسلامي إلى ما يناهز الـ20 مليار ليرة لكل منهما.
إن هذه الاحتياطات وإن شكلت عاملاً من عوامل استقرار الليرة إلا أنها يمكن أن تلعب دوراً أكثر أهمية من خلال إعادة تدويرها في الاقتصاد الوطني من خلال ضخها على شكل استثمارات تعود بالنفع على الشركات نفسها وعلى مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية سواء من خلال زيادة رأسمال هذه الشركات عن طريق توزيع الأرباح على شكل أسهم مجانية تمنح للمساهمين أم من خلال استيعاب هذه الاحتياطات عبر برنامج وطني لإعادة الإعمار يمكن أن يشمل إصدار سندات أو شهادات استثمار وطنية مقومة بالليرة السورية.
التفتت إدارة سوق دمشق للأوراق المالية ومجلس مفوضيها ولاسيما في التعميم رقم 14 الصادر في 3/4/2018 إلى أولوية زيادة رساميل الشركات المساهمة من خلال استخدام حقوق المساهمين في منح الأسهم المجانية، لكن هذه الشركات وإن استجابت في معظمها لمطلب زيادة رأس المال إلا أنها تجنبت استخدام معظم هذه الاحتياطات وعمدت إلى الإبقاء على الكمية الأكبر منها لمواجهة أي خسائر قد تنجم في سوق القطع مستقبلاً. على سبيل المثال اقترح مصرف سورية الدولي الإسلامي توزيع ما يربو على 3 مليارات ونصف مليار ليرة سورية من أصل ما يقارب 25 مليار ليرة تشكل مجموع حقوق المساهمين في هذا المصرف.
تشكل معوقات الإقراض في ظل الأوضاع التي يعانيها الاقتصاد الوطني واحدةً من أبرز الأسباب التي تدفع المصارف والشركات الكبرى المدرجة في السوق المالية لتجنب زيادة رأسمالها، الأمر الذي يفرض عليها زيادة حجم أعمالها ومن ثم إدخال كتلة نقدية أكبر فيما يفترض أنه سيشكل إجمالي الرأسمال التشغيلي للمصرف في الفترة اللاحقة وهو ما يعرض المصرف لصعوبات تتعلق بآليات الإقراض ومخاطر التعثر وعدم السداد وما قد ينجم عنه من آثار سلبية على المصرف وملاءته النقدية، غير أن تعديل القانون رقم 28 لعام 2001 بما يسمح لهذه المصارف والشركات بإمكانية المساهمة في خلق وتأسيس شركات اقتصادية وصناعية وعقارية قد يشكل ضمانةً إضافية لهذه الشركات لاستثمار الأموال الناجمة عن زيادة رأسمالها بالمساهمة في تأسيس شركات أخرى تعود عليها بالنفع اقتصادياً وتسمح لها بالتحكم في أعمال هذه الشركات حسب حصتها ومراقبة حسن أدائها من خلال وجود عضو ممثل لها في مجالس إدارات الشركات المزمع إنشاؤها.
في ظل مظاهر الانكماش التي يعانيها الاقتصاد الوطني يمكن للشركات المساهمة ولاسيما المصارف الكبرى أن تلعب دوراً كبيراً في إعادة إحياء الشركات والفعاليات الاقتصادية التي طالتها الأزمة، ويمكن أن تساهم أي مباردة للمصارف في هذا الاتجاه في زيادة الثقة في الاقتصاد الوطني وفي دفع الرساميل الوطنية إلى الاستثمار وتوجيه ادخارها نحو الاكتتاب في الشركات الممكن تأسيسها بل حتى في استقطاب الرساميل الأجنبية من الدول الحليفة والصديقة بما يخدم مصالح الاقتصاد الوطني وفي إطار تعديل شامل للقانون رقم 28 لعام 2001 المتعلق بإنشاء المصارف الخاصة في البلاد وقرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 2060 لعام 2001 المتضمن التعليمات التنفيذية للقانون 28 السابق ذكره بما يدفع المصارف الخاصة إلى زيادة رأسمالها بشكل ينسجم مع المتغيرات الحاصلة في سوق الصرف وكذلك مع حجم الاحتياطات المدرجة ضمن بند حقوق المساهمين في هذه المصارف إضافة إلى توسيع أنشطة المصارف بما يكفل لها المساهمة في تأسيس الشركات العقارية والصناعية والتجارية على اختلاف أنواعها.
كما يمكن أن يساهم طرح برنامج وطني لإعادة الإعمار على شكل سندات خزينة أو شهادات استثمار صادرة عن المصرف المركزي في استيعاب الفائض النقدي للمصارف الخاصة وبقية الشركات المساهمة المدرجة في سوق الأوراق المالية بما يمكن أن يعود بالنفع على الاستقرار الاقتصادي ويدفع عجلة الاقتصاد الوطني للدوران من جديد وإصلاح ما دمرته آلة الإرهاب في وطننا الحبيب.