«المنافقون» الثلاثة
| زياد حيدر
قرأت مقالاً جيداً يوماً لمفكّر سيّئ الذكر. كان المقال توصيفاً للقاتل الإسرائيلي، في وظيفته كقائد طائرة حربية، يلقي القنابل ويداه في قفازين جلديين، من ارتفاعات شاهقة، لا تطوله نار عدو، يستمتع برؤية الأفق وسحب الغيم، وتتقلص المسافات تحته بسرعة رهيبة، بينما قنابله تفعل فعلها بالفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم. يعود أنيقاً إلى الأرض، ربما وقد تعرق قليلاً، وكأس عصير البرتقال ينتظره في صالة راحة الطيارين.
الصورة ذاتها تجسدت، ونحن نتابع فجر السبت، في ساعاته الأولى والمتأخرة، زعماء الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا، بالأناقة التقليدية، يعلنون عن اعتدائهم العسكري على سورية، متسلحين بالدعوات والتمنيات بالسلامة لمقاتليهم البعيدين عن الجبهة المفترضة مئات الكيلومترات، ولا يتعدى دورهم كبسة زر على مؤشر التصويب، متمنين لهم العودة سالمين، وهم لم يغادروا سوى لدورة جوية حول قواعدهم، وعلى ارتفاعات شاهقة، وذلك لتنفيذ مهمة، أجزم أن أياً من هؤلاء الموظفين لا يصدق سببها المعلن، ولا يفكر به، ولا يعنيه.
يقف الزعماء لتلاوة كلماتهم المحضرة مسبقاً، المكتوبة بعناية، المغمسة بالمعقمات الممكنة، والملفوفة بعناية خبراء اللغة وعلم النفس والإعلام والعسكر، لمنع تسرب أي علامات ضعف، ضعف القاتل، ضعف المجنون، ضعف الأحمق، وضعف الفاسدين المنافقين، وهم ملوك في هذه الموهبة.
الأول، المجنون بامتياز، مقامر البيت الأبيض، قواد ما قبل الحكم المفضوح، لديه ما يكفي من الضعف ليشن حروباً لا تنتهي على كل العالم، دهراً أو دهرين، من دون أن يتمكن المتقصي من حجب القمامة التي يتركها وراءه، كيفما التفت.
الثاني، وريث الثورة الفرنسية، أو يفترض، يتحول إلى قاتل مرتزق بمجرد زيارة سريعة من ولي العهد السعودي، وتصبح قضية إقلاع طائراته الحربية لأداء مهام بالوكالة مشروعة. كيف لا وسبق لحلفه أن شارك في حرب دمرت بلداً آمناً، تخوفاً من انكشاف تلقيه الرشاوى من زعيمها؟
من جهتها وريثة الإمبريالية التقليدية، والكلب الوفي للسياسات الأميركية، وحليف غزو العراق، وشريك كذبة أسلحة الدمار الشامل فيه، لديها ما يكفيها من المشكلات مع روسيا، وليست بحاجة لضغط ذلك المجنون في البيت الأبيض، لتجسيد الانتقام في قضية الجاسوس الروسي المزدوج عبر الضرب من بعيد، بيد مرتعشة، وفم عطش مرتبك الكلمات.
ثلاثة منافقين، على رأس ثلاث دول عظمى، لم يصدقوا في كلمة قالوها أمس. كما لم يصدقوا ذاتهم في كلمة قالوها في 2003 أو 2011 وليس بعده أيضاً. وقفوا تاريخياً مع كل عدوان تقريباً شن على الأبرياء في هذه المنطقة وغيرها، دمروا أمماً، وحطموا دولاً، ومزقوا الجغرافيا ومعها العائلات والقبائل والشعوب.
لكن هذه سخرية القدر، وهكذا تجري الأمور. لا ينفع الغيظ، ولا ينفع الحقد. ما ينفع هو الاستعداد الدائم، والتحلي بالصبر، والتخطيط والإعداد.
كانت تلك جولة، قد تعاد، وجيشنا يثبت يوماً بعد يوم كفاءة في صد عدوان السماء، بعد أن كان نقطة ضعفه الرئيسة.
لكن المزيد من العمل ما زال أمامنا، ولا أظن أن أحداً في غفلة هنا عن هذا.
الآن، المثير للسخرية في كل هذا الغم، أن دولاً خليجية تحاول تصدر المشهد. تتحدث عن الضربة كأنما لديها عزم يذكر. أتخيل، ما الذي يمكن أن تفعله بكم ثانية واحدة من دقائق العدوان الخمسين.
يا لها من خسّة.