أغاليط من التاريخ.. أرقامنا ليست هندية … أحمد المفتي: نواجه هجوماً شرساً على تراثنا ومعتقداتنا وتاريخنا
| وائل العدس
قبل أن يغيب لما بعد شهر رمضان المبارك، قدم الباحث الدكتور أحمد المفتي محاضرته الرابعة بعنوان «أرقامنا ليست هندية» ضمن سلسلته الشهرية «أغاليط من التاريخ» التي اعتاد تقديمها شهرياً في ثقافي أبو رمانة بدمشق.
ولأننا تعلمنا في مدارسنا أن أرقامنا المشرقية هندية، فإن المفتي ألقى تفصيلاً وضح فيه أن أرقامنا لا علاقة لها بالأرقام الهندية من قريب ولا من بعيد، خاصة أن معظم المواقع العربية تنشر المعلومة الخاطئة بأنها هندية من دون الرجوع إلى أصل الحقيقة المفاجئة التي خالفت كل المعتقدات القديمة.
وأكد أنه منذ الحضارات السحيقة استخدم البابليون الأرقام، وقد أخذ الهنود عنهم طرائقهم في النظام العشري ولم يأتوا بجديد.
القرآن الكريم
وقال إن العرب كانوا يستخدمون الأرقام من خلال الأبجدية العربية على طريقة «أبجد هوز حطي كلمن»، ولو أردنا أن نزور جامع الشيخ محيي الدين ابن عربي ونظرنا إلى تاريخ بنائه، نلاحظ على أسكفة الباب بعض الأبيات الشعرية فنقرأ «سليم بنى لله خيراً ومسجداً وقد قيل في تأريخه خير جامع»، ولو جمعنا أحرف أول كلمة لوجدناها تشير إلى تاريخ البناء 924.
وأضاف: حينما بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان الكتاب العربي الأول، فالعرب لم يعرفوا كتاباً سوى القرآن الكريم الذي حفظ في الصدور وكتب في السطور منذ اللحظة الأولى، لأنه كان أمياً فقد اعتمد الرسول الكريم على مجموعة من الكتّاب، لكن الحرف العربي في تلك الفترة لم يحمل شكلاً ولا إعراباً ولا نقطاً، لذلك كان القرآن في البداية منذ القرن الهجري الأول عبارة عن مجموعة آيات يفصل بين السورة والسورة فراغ، لأن البسملة واسم السورة ليسا من القرآن، أما الترقيم فلم يكن موجوداً وقتها في تلك الفترة الزمنية، لذلك نجد في المصاحف الأولى حرف الهاء بعد كل 5 آيات، وحرف الياء بعد كل 10 آيات، وحرف النون بعد كل 50 آية، وقد نزل القرآن وحُفظ خمساً خمساً.
وبيّن أنه في زمن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كان هناك أربعة علماء، الخليل ابن أحمد الفراهيدي وابن المقفع وأبو حنيفة والفزاري الذي وضع أشكال الأرقام المشرقية.
قصة الأرقام
وتعود قصة الأرقام العربية إلى عام 771 م عندما وفد إلى بلاط الخليفة العباسي المنصور فلكي هندي، ومعه كتاب مشهور في الفلك والرياضيات هو «سدهانتا» لمؤلفه براهما جوبتا الذي وضعه في حوالى عام 6هـ/ 628م واستخدم فيه الأرقام التسعة. وقد أمر المنصور بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وبأن يؤلف كتاباً على نهجه يشرح للعرب سير الكواكب، وعهد بهذا العمل إلى الفلكي محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ألف على نهجه كتابا سماه السند هند الكبير واللفظة «سند هند» تعني باللغة الهندية «الخلود»، ومنه رأى الفزاري أن الهنود يستخدمون أشكالاً ورموزاً للأرقام فابتدع الشكل الذي نكتب به نحن، بمعنى أننا لم نأخذ عن الهنود شكل الرقم وإنما فكرة رمز الرقم وشكله، ولو عدنا إلى تلك الفترة الزمنية واطلعنا على اللغات السنسكريتية والهندية القديمة والحديثة فإننا نجد الأرقام تختلف اختلافا كبيراً عن الأرقام التي نكتبها نحن وعن الأرقام التي استخدمها الهنود، لذلك فإن الشكل الذي نكتب فيه ابتدعه الفزاري ممهداً الطريق للخوارزمي، وهي أرقام عربية أصيلة وضعها عربي ابن عربي ولا علاقة للهنود بهذا الشكل ولا بهذا الرمز، والهنود كانوا يكتبون أرقامهم من اليسار إلى اليمين ونحن نكتبها من اليمين إلى اليسار.
وختم محاضرته بالقول: نواجه هجوماً شرساً على تراثنا ومعتقداتنا وتاريخنا وكل من نحمله من حضارة ليحطموها بأشكال مختلفة، ولذلك نجد دول الخليج والمغرب العربي يستخدمون الأرقام الفرنجية في صحفهم ومجلاتهم وكتاباتهم، والدعوات التي نلقاها لكتابة الرقم الفرنجي دعوى باطنها فيه العذاب وظاهرها فيه النعيم.
أهداف الوزارة
وفي تصريحه لـ«الوطن»، قال معاون وزير الثقافة علي المبيض: إن الندوة تندرج ضمن أهداف وزارة الثقافة بنشر المعرفة وتوسيع دائرة المعارف والمهارات، وهذا ليس حكراً على النخبة فقط، بل تهم كل فرد، خاصة أن القاعدة الرئيسية تقول إن الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية، وقد تجسدت مثل هذه الندوات. وأكد أننا منذ الصغر تعلمنا أن أرقامنا هندية، لكن الباحث ساق لنا أدلة وبراهين ووثائق تبين أنها عربية ولكنها أخذت فكرتها من الهند، وهي معلومة مهمة جداً لتصحيح الأغاليط التي درجنا عليها.
أحمد المفتي
يشار إلى أن أحمد المفتي أديب وشاعر ومؤرخ وخطاط وباحث في التراث العربي والإسلامي، وأستاذ في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وأستاذ في معهد الفنون التطبيقية، وأستاذ في معهد الآثار في جامعة دمشق، وإعلامي ومخرج ومؤلف للعديد من الأفلام الوثائقية.
درس الخط والفن على يد خطاط بلاد الشام بدوي الديراني، وطوّره على يد حامد الآمدي في إسطنبول، ويعتبره الكثيرون آخر الخطاطين العظماء.