مجرمو «إسرائيل» يتحدون العالم
| يوسف جاد الحق
ما كان لأحد أن ينتظر من أميركا موقفاً مختلفاً عما عهد عنها من انحياز، بل مشاركة فعلية للكيان الصهيوني في عدوانه المتصل على العرب عامة والفلسطينيين خاصة فيما حدث مؤخراً على ما سمي الحدود بين غزة والكيان الصهيوني إياه، وكانت نتيجته مجزرة بالجملة هذه المرة، ثمانية عشر قتيلاً وألفاً وخمسمئة جريح من أبناء الشعب الفلسطيني العزل من أي سلاح.
أميركا لم تكن، في يوم من الأيام غير «الشريك الكامل» للعدو الصهيوني في سائر سياساته وممارساته الإجرامية على الشعب الفلسطيني، فهي التي مهدت لقيام «إسرائيل» عام 1948 على أرضنا، وهي التي دأبت على تمويله وتسليحه، فضلاً عن دعمه وتأييده والوقوف إلى جانبه في مواجهة المجتمع الدولي والهيئات الدولية عامة كمجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وما إليها.
وكان لموقفها الأخير في مجلس الأمن مما حدث ما يؤكد هذه الحقيقة، وإن كانت ليست بحاجة للتأكيد بعد، حتى مجرد الإدانة بالكلمات التي قد لا تقدم ولا تؤخر في مجريات الأحداث، ولا تجدي نفعاً للفلسطينيين ما دامت مجرد «كلام» عابر تبدده الرياح، هادئة كانت أو هادرة، حتى هذه الإدانة تستكثرها علينا أميركا تأكيداً منها على بسط حمايتها لشريكها إياه.
جرائم العصابة الصهيونية المتواصلة على مدى سبعة عقود تسوَّغ لدى الإدارة الأميركية، على الدوام، على أنها مجرد «دفاع عن النفس»! وهذا في حد ذاته يمثل مهزلة قد لا تليق بدولة تزعم أنها الأقوى والأهم في عالم اليوم، الدولة المدججة بأشد الأسلحة فتكاً من البندقية حتى القنبلة الذرية «تدافع عن نفسها» إزاء شبان ونساء وأطفال لا يملك واحدهم سوى صوته واحتجاجه، وهذا في حد ذاته أيضاً كثير لا بد من أن يعاقب عليه بالقتل العمد المترصد، دونما اكتراث أو حساب لمساءلة من أي جهة كانت.
«إسرائيل» تتحدى العالم كله، وتستهتر بالرأي العام العالمي، فضلاً عن العربي، بطبيعة الحال، فيعلن قادتها، جهاراً نهاراً، بأنها ستقتل الفلسطيني المحتج لمجرد اقترابه مما تسميه «حدود أرضها»! رئيس حكومة الاحتلال «السيد» بنيامين نتنياهو يعلن أن الجنود القتلة هم «أبطال» دافعوا عن «أرضهم»! ووزير حربه «المستر» أفيغدور ليبرمان عامل المقهى في ليستوانيا سابقاً، يعلن أن أولئك الجنود «لم يفعلوا غير واجبهم» وأن كلاً منهم سوف يمنح «ميدالية الشجاعة»، ويصرح آخرون بأن جنودهم «القتلة» يتحلُّون «بأخلاق» عالية!
يا لسخرية القدر من هذه العنصرية المعلنة، وهذا العدوان الأثيم المشهود أمام العالم كله، يمر وكأن شيئاً لم يحدث.
غير أن هذا من شأنه أن يذكرنا بما حدث مؤخراً بين بريطانيا وروسيا في مسألة تسميم العميل «سكريبال» وابنته وهما لم يموتا، التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بزعم أن روسيا كانت وراء الحادث، واصطفت وراء الادعاء البريطاني، على لسان رئيسة الوزراء تيريزا ماي، معظم دول أوروبا وفي مقدمتها أميركا، لتقوم بما يشبه الحرب على روسيا فراحت تطرد الدبلوماسيين الروس من بلادها، وترد عليهم روسيا بطبيعة الحال بإجراءات مماثلة، وما تزال تلك الحرب الدبلوماسية محتدمة الأوار تذكر بحقبة الحرب الباردة التي كانت قائمة بين المعسكرين الشرقي والغربي في ذلك الزمن.
لم تقل أي دولة أوروبية من هذه كلمة واحدة حيال ما جرى على أرض فلسطين من قتل واعتقالات وكأن ذلك لا يعني شيئاً، ما دام الجناة هم حلفاؤهم أو رفاقهم، أو موالوهم الإسرائيليون، وما دام الضحايا عرباً فلسطينيين لا تعني دماؤهم المهدرة وعذاباتهم المنكرة شيئاً، فقد أمست من طبيعة الأشياء المألوفة لتكرارها على مدى الأيام والشهور والأعوام.
الغريب العجيب أن هؤلاء هم أنفسهم المتفاخرون برعايتهم لحقوق الإنسان، وبرفضهم وفق مبادئ الأمم المتحدة لممارسات «الإبادة البشرية» و«للتمييز العنصري»، وما إلى ذلك من ادعاءات كاذبة لا نصيب لها من التحقق على أرض الواقع، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بفلسطين وبلاد العرب عامة، ويكفي أن نذكّر هؤلاء بما جرى، وما زال يجري على الأرض السورية، وهو على قدر من الهول بحيث لا تتسع له مجلدات سوف يحفل بها التاريخ مستقبلاً، ناهيكم عما حدث في العراق وليبيا وغيرها، إضافة بطبيعة الحال إلى ذروة المأساة على الأرض الفلسطينية المغتصبة.
لا بد من كلمة تقال في حقنا نحن أصحاب القضية، فالسيد رئيس السلطة الفلسطينية ظهر على الفضائيات طالباً من الهيئات الدولية «حماية» الفلسطينيين، وهو يعرف تماماً أن مناشدة تلك الهيئات غير ذات جدوى على الإطلاق، ونتساءل هنا: لماذا لم يطالب مجلس الأمن والمحكمة الدولية بتجريم المعتدين وإنزال العقوبة بحقهم كما يحدث في حالات مماثلة لكنها ليست فلسطين؟ أما عن صمت الكثير من دول العرب فالحديث ذو شجون، ويطول! ولكن: أليست أرضهم أيضاً؟ أوَليس الذين يقع عليهم ذلك الظلم والقهر والعدوان أشقاءهم في الانتماء والمصير؟ أليس ذلك هو المفترض على الأقل أم تراهم ينكرونه؟
خلاصة القول: هم أعداء أمتنا على مدى التاريخ، فلنحذرهم، وليعمل المخلصون من أبناء هذه الأمة حلف المقاومة تحديداً على الإعداد والاستعداد ليوم لابد آتٍ يتحقق فيه النصر على أعداء الأمس واليوم، وإن غداً لناظره قريب.