سقطت هيبة أميركا على أعتاب دمشق
| محمد نادر العمري
من الواضح أن الاستعصاء الدبلوماسي والكباش السياسي الذي شهدته العلاقات الروسية الأميركية بعد التغييرات الميدانية وما مثلته الغوطة الشرقية بمضامينها من انعكاسات محتملة سياسيا وعسكريا، أوصلت جميع القوى الفاعلة إلى مرحلة «اللا عودة»، مابين مشروعين: الأول الحفاظ على الهيمنة الدولية واتباع أسلوب البلطجة والرعونة وفق وصف المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، والمشروع المضاد بما يتضمنه من رفض للواقع القائم والتسلط الأميركي الأوروبي على مفاصل القرار الدولي وملفاته.
العدوان الذي شن على سورية فجر يوم السبت تضمن جوانب متعددة من شأنها أن تحدد معالم المرحلة القادمة وبخاصة ضمن قواعد الاشتباك الإقليمية والدولية وتسريع وتيرة العملية السياسية للأزمة السورية برؤية محيدة مؤقتاً عن جنيف:
أولاً: خلال التمهيد للاعتداء وأثناءه حرصت الولايات المتحدة على تجنب الصدام المباشر مع روسيا أو محور المقاومة الموجود في سورية، وهذا له معطيان الأول افتقار الناتو لأدوات القوة المؤثرة في أي مواجهة شاملة مع موسكو وحلف المقاومة وهذا ما حذر منه وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أثناء اجتماع مجلس الأمن القومي مع الرئيس دونالد ترامب، أما المعطى الثاني فيتضمن افتقار واشنطن للقدرة على حشد تحالف دولي على غرار غزوها عام 2003 للعراق، فمشاركة بعض الدول بهذا العدوان كانت رمزية.
ثانياً: هذا العدوان الخماسي الأميركي الفرنسي البريطاني الإسرائيلي الخليجي، لم يحقق أي إنجازات تكتيكية أو إستراتيجية، غير أنه شكل نواة تحالف غربي في مواجهة النفوذ الإيراني ومحور المقاومة في المنطقة.
ثالثاً: مرة جديدة تقوم الدول العربية بأحداث خرق لأمنها القومي عبر تمويل الحملات العسكرية للدول المعتدية كما حصل سابقاً في غزو العراق وليبيا، والسماح للطائرات المعتدية من الانطلاق عبر أراضيها واستخدام أجوائها باستهداف سورية من القواعد الأميركية في قطر والأردن.
رابعاً: التوقيت الزمني لهذا العدوان جاء بعد استعصاء سياسي ودبلوماسي شهدته اجتماعات مجلس الأمن الدولي، وقبيل ساعات من وصول لجنة تقصي الحقائق لزيارة دوما، وهذا يفضي لسبات مطول لاجتماعات جنيف لحين اكتمال الأجواء والظروف والإرادة الدولية التي مازالت تسعى لتقويض مخرجات سوتشي.
خامساً: أظهر هذا العدوان تماسك المجتمع الداخلي السوري، وزيادة التأييد الداخلي والخارجي الشعبي للقيادة السورية وجيشها في محاربة الإرهاب، مقابل استنفار سياسي وعسكري إسرائيلي في شمال الأراضي المحتلة وخشية الحكومة الإسرائيلية من تظهير القلق الداخلي متمثلة في طلب رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو من وزرائه الامتناع عن التعليق على العدوان الأميركي، وتحرك برلماني بريطاني لمسألة رئيسة حكومته تيريزا ماي، واحتمالية إقدام الحزب الديمقراطي عبر أعضائه في الكونغرس لسحب الأهلية عن ترامب أو زيادة تطويقه بتحقيقات روبرت مولر.
سادساً: ترامب الذي سارع لإنقاذ ماء وجهه عبر هذا العدوان زاد من حدة الانقسامات داخل الإدارة الأميركية التي من المؤكد ستشهد جملة استقالات أو إقالات وفي مقدمتهم وزير الدفاع.
زيادة القطع العسكرية في المتوسط والتلويح الغربي والمطالبة الخليجية والإسرائيلية بتطوير الاشتباك العسكري ضد سورية وحلفائها هو فعل، من المسلمات سيجابه بردة فعل مؤكدة بأساليب يتفق عليها بين دمشق وحلفائها ضمن ميادين قتالية فيها احتلال وقواعد أميركية وأوروبية وتركية، ومن خانته الذاكرة عليه أن يذكر ردة الفعل السورية الإيرانية في استنزاف الاحتلال الأميركي في العراق وقبلها عمليات المقاومة في الجنوب اللبناني ومن بعدها من قلب الطاولة على التركي بعد إسقاط طائرة سوخوي الروسية، وبالتالي فإن هذه الدول لن تغامر بعدوان ثان أكبر وأوسع تتجاوز انعكاساته النظام الإقليمي.