سمات اللغة العربية ولطائفها … تمتاز العربية بالقدرة على التمييز بين الأنواع والأحوال المختلفة في الأمور الحسية أو المعنوية
| سارة سلامة
تعد اللغة العربية من بين اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة على أنها لغة عالمية أسهمت أيما إسهام في مسيرة الحضارة البشرية، ولها ميزات تتحلى بها، وقد أشاد بهذه الميزات والخصائص بعض من أبنائها، ومن غير أبنائها في الوقت نفسه.
وقال ابن جني (ت 392هـ) في كتابه الشهير (الخصائص):
«إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك عليّ جانب الفكر».
حيث صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة السورية للكتاب كتيب بعنوان «من سمات اللغة العربية ولطائفها»، للدكتور محمود السيد المتخصص في مجال التربية، ويحاول من خلال هذا الكتيب التعريف ببعضٍ من سمات اللغة العربية، وبيان خصائصها مع الإشارة إلى جوانب من اللطائف والغرائب التي تمتاز بها.
سماتها
تتصف اللغة العربية بصفات خاصة إن في أصواتها أو في سعة مفرداتها، أو في إعرابها، أو في إيجازها، أو في دقتها في التعبير، أو في البراعة في تناولها، أو في جمال خطها.
ومن الخصائص الصوتية حيث يتصف المدرج الصوتي في اللغة العربية بالسعة، إذ إنه يمتد من أقصى الحلق إلى الشفتين، وتتوزع عليه حروف العربية البالغة ثمانية وعشرين حرفاً، وساعد هذا الاتساع على الانفراد بحروف لا توجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والغين والحاء والطاء والقاف.
ومن سمات العربية في أصواتها أن ثمة توازناً وانسجاماً بينها، فلا يجتمع الزاي مع الظاء، والسين مع الضاد والدال، ولا يجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء مع العين، ولا الخاء، ولا اللام قبل الشين.
ولم يجمع بين ساكنين أو متحركين متضادين، ولا بين حرفين لا يأتلفان، ولا يعذب النطق بهما أو يشنع ذلك، فهما في جرس النغمة وحس السمع كالغين مع الحاء، والقاف مع الكاف، والصاد مع الضاد، والواو الساكنة مع الكسرة قبلها، والياء الساكنة مع الضمة قبلها.
الدقة في التعبير
يأخذ بعضهم على اللغة العربية أنها تتسم بالعمومية وعدم الدقة في التعبير بسبب خاصية الترادف في المفردات، إلا أن (ابن فارس) وشيخه أبا علي الفارسي، يريان أن لكل كلمة في اللغة العربية قدرة على التمييز بين الأنواع والأحوال المختلفة إن في الأمور الحسية أو المعنوية.
ولقد حافظ العرب في كلامهم على دقة استخدام الكلمات والمصطلحات عند التعبير عن مختلف الأحوال والصفات، ومن ذلك التفريق في الكشف عن الشيء من البدن فيقولون: حسر عن رأسه، وسفر عن وجهه، وافترّ عن نابه، وكشّر عن أسنانه، وكشف عن ساقيه، وهتك عن عورته، وأبدى عن ذراعيه.
ومن ذلك التفريق في المساكن، فيقولون: بيت الإنسان، عرين الأسد، عش الطائر، كناس الظبي، قرية النمل، كور الزنابير، نافقاء اليربوع.
ومن ذلك التفريق في اسم الشيء اللين، فيقولون: ثوب لين، ورمح لدن، ولحم رخص، وريح رخاء، وفراش وثير، وأرض دمثة.
جمال الخط العربي
من سمات اللغة العربية جمال الخط فيها، والخط الجميل يجعل من الكتابة أكثر قبولاً ورحابة، ويزيد الكلمة وقاراً، ويعطي المعنى هيبة، وبحسنه تتآخى آيات الجمال، كما أنك تطالع لوحات فنية في غاية الدقة والرقة، ولقد قيل: الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً، ولقد ظهرت أنواع كثيرة من الخطوط عبر مسيرة أمتنا العربية، ولكل خط جماله ورونقه الخاص كالخط الكوفي، والخط النبطي، والخط المغربي، والخط القيرواني.
ويحتل الخط العربي مكانة كبيرة بين خطوط اللغات الأخرى من حيث جماله الفني وتنوع أشكاله، وهو مجال خصب لإبداع الخطاطين، حيث برعوا في كتابة المصاحف، وتغنوا في كتابة لوحات رائعة الجمال، كما زينوا بالخطوط جدران المساجد ورسومها.
من لطائفها
من لطائف اللغة العربية أن ثمة براعة في الصوغ والإخراج تتجلى في مظاهر عدة، ومنها قراءة كلمات من اليمين بمعنى، ومن اليسار بمعنى آخر، وقد يقرأ البيت الشعري من الجهتين كلمة كلمة، وثمة بيت شعري لا يتحرك اللسان بقراءته، ما يقرأ أفقياً وعمودياً، وهنالك كلمات واحدة في البت الشعري من حيث كتابتها، إلا أن لكل كلمة معنى إذا ضبطت بالشكل، وإلى جانب ذلك كله هنالك خطبة صيغت دون وجود حرف الألف فيها، مع أن هذا الحرف من الحروف الأكثر شيوعاً، وهنالك خطبة أخرى تشتمل على كلمات دون وجود نقط على حروف كلماتها، ومقال دون وجود حرف الراء، ومن هذه اللطائف الحكم والألغاز والتشبيهات.
وكم غرائب اللغة أبيات من الشعر إذا قرئت من اليمين كانت مدحاً، وإذا قرئت من اليسار صارت ذماً، وهذا مثال من شعر إسماعيل بن أبي بكر المقري:
طلبوا الذي نالوا فما حرموا
رفعت فما حطت لهم رتب
وهبوا وما تمت لهم خلق
سلموا فما أودى بهم عطب
وهناك أبيات في المدح والثناء، إذا قرأتها بالمقلوب كلمة كلمة فإن النتيجة ستكون أبياتاً في الهجاء موزونة ومقفاة.
في المدح: حلموا فما ساءت لهم شيم… سمحوا فما شحت لهم مننُ
سلموا فلا زلّت لهم قدم… رشدوا فلا ضلت لــهم ســنن
ومن عجائب اللغة العربية ما ورد من خطبة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لم تكن هنالك نقط على أي كلمة من كلماتها، ومن هذه الخطبة: (الحمد اللـه الملك المحمود المالك الودود مصوّر كل مولود وموئل كل مطرود ساطع المهاد وموطد الأطواد ومرسل الأمطار عالم الأسرار ومدركها ومدمر الأملاك ومهلكها).
إكرام المرأة تقديراً وشغفاً
إذا كانت اللغة العربية قد أحرجت المرأة في خمسة مواضع، فإن ربّ العالمين قد أكرم المرأة أيما إكرام، فها هو ذا قد أسبغ على المرأة أماً سمات المودة والمحبة والاحترام، ولقد تجلّى الفرق بين كلمتي (الأبوين) و(الوالدين)، في القرآن الكريم جلياً، فإذا جاءت كلمة (الأبوين) في الآية الكريمة فإن المقصود بها الأب والأم مع الميل إلى جهة الأب، لأن الكلمة مشتقة من الأبوة التي هي للأب وليست للأم، على أن الأب هو المسؤول عن أعباء الأسرة مادياً فميراثه مصروف، وميراث الأم محفوظ، قال تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك)، وقوله: (ورفع أبويه على العرش)، على حين وردت كلمة «الوالدين» في الآية: (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً).
فإنها تشير إلى الأب والأم، مع الميل إلى جهة الأم، فالكلمة مشتقة من الولادة، التي هي من صفات المرأة دون الرجل، على أن التوصية بالإحسان والدعاء والمغفرة تناسب فضل الأم.