دمشقيات لا تغفل عنها الذاكرة … قاسيون كان مكللاً بأشجار الأرض والنخيل والصالحية كانت سكنى للمهاجرين والمرجة كانت متنزهاً
| منير كيال
سنحاول بهذا البحث تقديم الإضاءة لأماكن في مدينة دمشق، ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بهذه المدينة، على ما كان في هذه المدينة من أماكن لا تغفل عنها العين، ولا تبارح ذاكرة الدماشقة، ومن ذلك ما كان من أمر جبل قاسيون والمرجة والصالحية والربوة وبوابة الله.
أبدأ بالحديث عن جبل قاسيون، لما لهذا الجبل من حرص على البقاء، مطلاً على مدينة دمشق، إطلالة الحارس الأمين المحب، والحريص على بقاء هذه المدينة أبد الدهور والعصور.
فقاسيون الذي أشبه بالأصلع أو الأجرد، كان مكللاً بأشجار الأرز والنخيل، وكان يعرف باسم جبل الصالحية، نسبة إلى المهاجرين المقادسة الذين أقاموا بسفح الجبل المطل على دمشق، وهم أهل صلاح، فعرف الجبل باسمهم، ثم أطلق عليه اسم قيسون، فغلب عليه اسم قاسيون ونجد بالجانب الغربي من الجبل قبة تعرف باسم قبة السعار، وهي تشرف على خانق الربوة ويرجح البعض أن هذه القبة تعود إلى زمن الخليفة العباسي المأمون كما كان بجبل قاسيون قبة أخرى هي قبة النصر، وقد سقطت هذه القبة إثر زلزال أصابها، وأزيل ما تبقى منها زمن الاستعمار الفرنسي لسورية، وقد قام مكانها بهذه الأيام، محطة للتلفزيون العربي السوري.
أما الربوة فإن منطقتها كانت وما زالت أحد معالم مدينة دمشق، وهي مقصد السياح لما هي عليه من الخضرة اليانعة والتحاف الأشجار، والمياه الوفيرة وقد وصفها ابن بطوطة بأنها من أجل المناظر، لما فيها من التخوت والمقاصف، فضلاً عن القصور التي قامت على طرفي واديها. وهي غير الربوة التي نعرفها اليوم، وإنما هي واد تتدفق فيه المياه وأراضيها على شكل مدرجات مسطحة يطلق على الواحد منها اسم الدف، الأمر الذي جعلهم يطلقون على الجبل الذي إلى القرب من الربوة اسم الدف لكثرة الدفوف والمصاطب المزروعة بالزعفران، وقد أحرق الصليبيون لدى محاصرتهم دمشق جانباً منها ثم خُرب ما تبقى منها على يد الانكشارية العثمانيين ومن ثم لم يبق من الربوة غير بقايا صخرة المنشار، وكان بهذا المنشار مسلك من درجات متكسرة أشبه بالدرج، وهو يربط بين المهاجرين والربوة، وذلك عبر التخوت التي أشرنا إليها، أما الصخرة التي تجاور الدرج أو الطريق الصخري فلا تزال موجودة وقد نقش عليها عبارة «اذكريني دائماً».
أما الصالحية، فقد كانت سكنى المهاجرين من آل قدامة، الذين أشرنا إليهم، وقد أقاموا بسفح جبل قاسيون إثر هجرة الشيخ أحمد بن محمد قدامة من القدس سنة 1098م حيث بنى «لهم الشيخ أحمد مدرسة بهذه المنطقة» وهي المعروفة باسم مدرسة الدين وذلك للإقامة بهذه المدرسة.
أما المنطقة الممتدة بين ساحة الشهيد يوسف العظمة، غربي بناء محافظة مدينة دمشق والمعروفة اليوم بالصالحية، فهي تشكل الطريق الذي يربط مدينة دمشق بالصالحية التي بسفح جبل قاسيون، مروراً بحارة شرف والمزرعة والرئيس، حيث بمنتصف هذا الطريق ما يعرف بحي الشهداء وعرنوس، ننتقل إلى الجسر الأبيض القائم على نهر تورا. وفي نهاية طريق الصالحية، يقوم حي العفيف.
وبالانتقال إلى ساحة المرجة نجد موقعها بين جامع أو مسجد يلبغا وجامع تنكز اللذين يعودان إلى العصر المملوكي وبهذه الساحة يتفرع نهر بردى إلى فرعين يحصران بينهما مساحة من الأرض على شكل جزيرة، عرفت باسم ما بين النهرين، وكانت هذه الجزيرة متنزها يقصده الناس، لما تتمتع به من الماء والهواء العليل والخضرة اليانعة.
وقد أقام الوالي العثماني يوسف كنج باشا بهذه المرجة بناء مهماً، هو البناء المعروف بأيامنا باسم: بناء العابد وقد اتخذ هذا البناء داراً للحكومة آنذاك، وهذا أعطى منطقة المرجة أهمية بالنسبة لمدينة دمشق وزاد بهذه الأهمية تغطية نهر بردى لدى مروره بالمرجة، وذلك عند العدلية والبريد والبرق من المرجة كما أقيم بالمرجة بعهد الوالي العثماني حسين ناظم باشا بناء البلدية، وهو البناء الذي توج به الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سورية، إثر الثورة السورية الكبرى، وقد أزيل هذا البناء مع الأسف وشيد مكانه بناء متعدد الطوابق.
وبذلك التطور أصبحت المرجة الساحة الرئيسية بمدينة دمشق بذلك الحين، وبالتالي تركزت في هذه المرجة الأسواق والفنادق ودور السينما فضلاً عن ذلك فقد زاد في اكتمال ساحة المرجة إقامة النصب التذكاري للاتصالات بين مدينة دمشق والمدينة المنورة، ونجد بأعلى هذا النصف مجسماً لمدينة استانبول.
وحرصاً منا على عدم الإطالة على القارئ الكريم نختتم هذا البحث، بما كان عليه الحال بموقع بوابة الله، فقد أطلقت هذه التسمية على مدخل مدينة دمشق من جهة الجنوب، أو ما يعرف بالميدان الفوقاني، جاءت هذه التسمية للدلالة على بداية الطريق الذي كان يسلكه حجاج بيت الله الحرام إلى الديار المقدسة بمكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج وقد أصبح يطلق على ذلك الموقع بأواخر القرن التاسع عشر اسم بوابة الموت، ذلك أن الخارجين من هذا المكان إلى الديار المقدسة قلما يعودون سالمين لما كانوا يتعرضون له من محاذير طبيعية أو بشرية قد لا تسمح لهم بالعودة إلى موطنهم سالمين إلا بشق الأنفس.
وكان يصل بين مدينة دمشق وبوابة الله أرض حصباء تعرف اليوم بحي الميدان، وعلى تلك الأرض الحصباء كان السلاطين والأمراء الوافدون يمرون للوصول إلى مدينة دمشق، أو يغادرونها إلى ذلك المصير المجهول.