إعلام فرنسي يكذِّب روايةَ جيشه: لماذا يستغيثون بـ«قوات عربية»؟
| فرنسا- فراس عزيز ديب
في مؤتمرهِ الصحفي الأخير، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا ستقدِّم للغرب أدلةً على إسقاط الجيش العربي السوري لبعض الصواريخ خلال عدوانهم الثلاثي على سورية قبلَ أكثر من أسبوع، قد يبدو هذا التصريح أبعدَ ما يكون عن الحرب النفسية التي يمكن أن يخوضها مسؤولٌ روسي ضد خصومهِ، لأن واقعَ الغرب اليوم ينطبق عليه المثل الشعبي: «راحِت السَّكرة وأجِت الفكرة»، فمفاعيل تبريرِ العدوان بدأت تتساقط مع ارتفاعِ المد المناهض لها رسمياً وشعبياً، أما التحليلات السياسية والمعلومات المتوافرة فبدأت تطرحُ تساؤلاتٍ منطقيةٍ تعدّت بأشواطٍ فكرة قيام السوريين بإسقاط الصواريخ من عدمهِ، فهناك وفي الإعلام الفرنسي تحديداً من بدأ بطرح تساؤلات تستند لمعلوماتٍ ميدانيةٍ عن إخفاق كبير تعرضت له قطعات الجيش الفرنسي المشاركة بالهجوم بعكسِ الروايةِ الرسمية التي تحدثت عن إتمام المهمة بنجاح فكيف ذلك؟
يوم الجمعة الماضي رفضت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي التعليق بالنفي أو التأكيد على حدوث انتكاساتٍ يمكن وصفها بالفضيحة خلال العدوان الثلاثي على سورية، وما يبرر تهرب الوزيرة من الإجابة معلومات نشرتها صحيفة «لوبونت» وتلفزيون «آر تي إل» عن حدوث أخطاءٍ ليست مبررةٍ، أهمها وعلى سبيل المثال لا الحصر، إخفاق فرقاطتين من أصل ثلاث شاركت في الهجوم من البحر المتوسط بإطلاق صواريخ كروز في اللحظة المتفق عليها، حيث أصيبت أنظمة الإطلاق الإلكتروني لكليهما بشللٍ تام جعلت القائمين على الهجوم يضطرون للإطلاق من الفرقاطة الاحتياطية الثالثة، وإذا كان السؤال المثير للسخرية هنا ليس فقط بقدرة الفرقاطة الثالثة على التدخل بهذه السرعة الطارئة إذا كانت الأساسيتان مشلولتي الحركة، لكن الأهم كيف تعطل نظام الإطلاق؟
من الواضح أن كلتا الفرقاطتين تعرضتا لتشويشٍ الكتروني عطل عملهما، لأنه من غير المنطقي أن يتم إرسال فرقاطتين تعانيان بالأساس من عطبٍ ما، هنا علينا العودة لصباح العدوان الثلاثي عندما أعلن بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية عن تمكن سلاح الدفاع الجوي من حرفِ مساراتِ عددٍ من الصواريخ عن أهدافها، يبدو هذا التقاطع يصبُّ في تأكيد المتابعين للشأن العسكري الفرنسي بأن القدرة على إخراج الفرقاطتين عن العمل عبر التشويش على أنظمتهما لا يدخل فقط في إطار امتلاك «العدو» لقدرات لا تزال مجهولة فحسب، لكنه كذلك الأمر يطرح تساؤلاً أعمق: ماذا لو كنا فعلياً بحالة حرب؟
الجواب بسيط جداً، ستكون النتائج أكثر كارثية لأن إمكانية اصطياد الفرقاطتين في عرض البحر كانت سهلة بعد تعطل أنظمتهما، لكن هناك من أرادَ إرسال رسالة مبطنةٍ عبر «الأساليب النظيفة» بالدفاع بأننا جميعاً لا نريد التصعيد للوصول إلى نقطة تتحول فيها المواجهة لحربٍ عالميةٍ حقيقية، وربما هذا ما أكده لافروف بالأمس عندما قال: «إن الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب لن يسمحا بمواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة»، فما البدائل لهذه المواجهة؟
ربما فعلّت تصريحات لافروف فكرةَ تهدِئة الرؤوس الحامية في المنطقة التي تدفع باتجاه المواجهةِ الشاملة، لكن هذا لا يعني في السياسة أن كلا الجانبين الأميركي والروسي تخلى عن نظرتهِ للحرب على سورية، وعلى هذا الأساس وتحديداً في ظل استكمال الجيش العربي السوري استعادة المنطقة تلو الأخرى من أيدي الإرهابيين، بدا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فتح مطلعَ الأسبوع الماضي الباب على مصراعيهِ للشكلِ الجديد الذي ستكون عليه النظرة الأميركية لمستقبل الحرب على سورية، ليس فقط بتكذيبِ المراهق الفرنسي إيمانويل ماكرون حول إقناعهِ لترامب ببقاء القوات الأميركية في سورية، لكن بدعوتهِ لإرسال «قواتٍ عربية» إلى سورية تحلُّ محلَّ القوات الأميركية. هذه الدعوة وإن كانت مثار سخريةٍ عند الكثيرين تحديداً أن ما تبقى من «جيوش عربية» فهي إما تكاد تقاتل ببواريد الصيد، أو تمتلك أعتى الأسلحة لكنها مكونة من مرتزقةٌ وقتلة مأجورين، أما ما يمكن تسميته فعلياً بلقب «جيش عربي» ويستطيع المشاركة فهو موجود في ثلاثِ دولٍ عربية هي العراق والجزائر ومصر، ولعلنا نكاد نجزم أن موقف هذه الدول الثلاث من إرسال قوات كهذه هو من سيحدد مستقبل ما سيجري على الأرض السورية، وبمعنى أدق يمكننا إرجاع هذا الطرح الترامبي لثلاثِة احتمالات فما هي:
أولاً: قد تكون الدعوة نوعاً ما خروج للأميركيين من الورطة السورية بطريقةٍ لبقةٍ يظهرون فيها وكأنهم أدُّوا مهامهم لتخلفهم بذلك قوات من الجامعة العربية مرتبطة بقرارٍ أممي يُعيد للأذهان ما جرى خلال الحرب اللبنانية، على أن يتم ذلك من خلالِ توافقاتٍ دولية تُعطي من خلاله القيادة السورية الموافقة على طرح كهذا بشرط أن يكون جلّ القوات من الجزائر والعراق ومصر كونهم وتحديداً الجزائري والعراقي الأكثر قرباً من الموقف السوري، لكن هذا الاحتمال تكذبهُ الوقائع، تحديداً أن السيناريو يختلف عن مثيله اللبناني حيث كانت المعارك تجري بين شارعٍ وشارع، ومبنى وآخر، وطائفة وأخرى، إضافة لذلك فإن المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال الأميركي عبر مرتزقتهِ معزولة طبيعياً بمعظمها عبر نهر الفرات ولا يمكن حدوثَ تماسٍ بين الجيش العربي السوري والتنظيمات الإرهابية التي ستحميها «القوات العربية»، ثم ما مستقبل هذه التنظيمات بعد خروج الأميركي؟ كل هذا التناقضات تُضعف من إمكانية احتمال كهذا.
الاحتمال الثاني: وهو أن يتم استقدام هذه القوات من خارج التوافقات والشرعية الدولية بما فيها مجلس الأمن، عندها يحتفظ الأميركيون بعناصر تحت اسم «مدربين ومستشارين»، وسيكون الهدف من وجودهم منع التعرض للقوات العربية، أسلوب قد يستخدمه الأميركي بتمويلٍ سعودي ودعمٍ «إسرائيلي» لقطع طريق الإمداد الممتد حسب زعمهم من طهران إلى حزب الله، ولهذا نجد أن السعودي سارع للموافقة لكنه اشترط أن يكون ذلك ضمن إطار تحالفٍ موسع، هو بالكاد يريد ضمان أمن مرتزقته لكنه بهذا الأسلوب لن يضمن على الأقل مشاركةَ دولتين فاعلتين هما العراق والجزائر، أما الموقف المصري فقد اعتدنا في الفترة الأخيرة أن يصعدَ ويهبط حسبَ سعر صرف الريال السعودي في السوق المصرية؛ ومن سوّغَ في الإعلام المصري بيع تيران وصنافير وصفقة العار للغاز مع الكيان الصهيوني، لن يعجز عن تسويغ إرسال قواتٍ مصرية إلى سورية، مع العلم أن هذا الاحتمال على خطورتهِ والذي سيعني حكماً مواجهة عربية – عربية وإمعاناً في تقسيم سورية والعودة بنا للحديث عن «دولة سنية» وليس كردية تضم إليها وسط العراق، لكنه يبقى أقلَّ خطورةٍ من الاحتمال الثالث، فكيف ذلك؟
من ينظر للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يتحدث عن صفقاتِ السلاح الأميركية مع آل سعود يدرك أن هذا الرجل لم يأت بجديدٍ ليشرح لنا السعي الأميركي للاستثمار في الفوضى، لأنه الطريق الوحيد الذي خبرته الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة لاستجلاب كل ما يمكن من أموال، لكن الفوضى التي يبحث عنها الأميركي هذه المرة تختلف اختلافاً كلياً عما كان يريده، لأن انسحاب الأميركي كلياً بعد دخولِ «قوات عربية» أياً كانت تركيبتها فإن الأميركي في ذلك لا يرغب فقط بمواجهة إيرانية – سعودية مباشرة على الأرض السورية تستنزف الطرفين على طريقة الحرب العراقية الإيرانية، أو الحرب السعودية على اليمن، لكنها في الوقت ذاته قد تؤدي لمواجهة تركية – مصرية، تحديداً أن التركي لا يبدو أنه سيروق له وصول قوات كهذه حتى لو كان هدفها «إسقاط النظام» كما يحلم، أو إقامة مناطق عازلة كما يهلوس، ربما هذا ما عناه رئيس النظام التركي عندما قال قبل أمس إن هناك من يسعى لإعادة ترتيب المنطقة من جديد عبر سورية، وهو ما عناه بالقول إن القادم يجعلنا ملزمين بإجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرة، بارعٌ هو في استغلالِ الفرص في الداخل والخارج، لكن هناك من هو بارعٌ أيضاً في استغلال الفوضى، فماذا ينتظرنا؟
مهما حاول المتشائمون إخفاء شمس الحقيقة بالغربال إلا أن ما بدا ظاهراً أن قهرَ دمشق للعدوان الثلاثي عليها، وإن كان فتح آفاقاً جديدة للولوج نحو الرأي العام الغربي الذي لم يتوان شرفاؤه عن توجيهِ أقوى أنواع الرسائل الرافضة لعدوان بلدانهم، إلا أن أسلوب الرد لن يفتح فقط أبواباً حول مستقبل ما يجري في سورية، بل أبواباً لمن يشاء الهروب من هذا المستنقع، وحده الأميركي يجيد الاستثمار في كل شيء حتى عندما يرحل فإنه يرمي عود ثقابهِ الأخير عساه يستثمر بالنيران التي ستشتعل، وبمعنى آخر:
لتكن «قوات عربية» أو مستعربة، فمن اصطاد الصواريخ وعطَّل الفرقاطات لن تعييه أفاعي بلهاء تسبح في رمالِ الصحراء، عندها فقط يكون للانتصارات معانيَ أجمل، وهل هناكَ أجملَ من سحق المرتزقة بعد أن تركهم الأصيل على الطريقةِ الفيتنامية؟