قضايا وآراء

حقائق الواقع.. وواقعية الحقائق.. بين الصدمة والصحوة..!!

عبد السلام حجاب : 

يبدو أنه لم يعد ممكناً، لعالم تقوده أميركا منفردة، مواصلة السير على رأسه، مغلوباً على أمره وفقاً لحقائق واقع الصدمة الافتراضي للاستراتيجية الأميركية التي يتأكد أن مقتلها يكمن في معاداة العالم والعبث بخصوصياته الوطنية، بحيث أطاحت بالأمن والاستقرار وبلغت ضفاف الحرب وامتداداتها الجغرافية والسياسية، فأصبح التنبؤ مستحيلاً بأخطارها منذ إعلان واشنطن وحلفها المفبرك الحرب على سورية بوجه إرهابي قذر قبل أكثر من أربع سنوات.
ويمكن القول إن صحوة تعكس أن العالم بدأ يسير على قدميه أخذت ملامحها بالظهور مع صعود واقعية الحقائق بسبب متغيرات لم يعد قادراً على حجبها غربال واسع الثقوب. وهو ما تشي به مبادرات ولقاءات ومحادثات يتدحرج إيقاعها السياسي على غير صعيد واتجاه في الساحة الدولية وتتخذ من محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادره أولوية لحل سياسي يريده السوريون من دون تدخل خارجي. وهو ما أكده تحرك الدبلوماسية السورية في طهران وسلطنة عمان مؤخراً. وما استبطنته الدبلوماسية الروسية من نتائج للقاءي موسكو التشاوريين في محادثات طهران والدوحة، وكذلك المبادرة الإيرانية في هذا الاتجاه، حيث أكدت أن كل ما يتعلق بهذه المبادرة سيتم التشاور فيه مع القيادة السورية.
وعليه فإن واقعية الحقائق جعلت العالم يتسابق نحو استعادة قواعد السير على قدميه، ويدرك مخاطر تداعيات سياسة أوباما الناعمة بوساطة الإرهاب والاستثمار فيه، وإن وجدت معوقات شكلية للابتزاز تصدر عن الكيان الصهيوني، وغباء سياسي مهزوز للمتناغمين معه مثل العثماني السفاح أردوغان وحكام السعودية وقطر والأردن، بسبب خوف وقلق وحسابات مرضية تجعلهم غير مؤهلين للانخراط علناً مع محاولة واشنطن التكيف وإن بصعوبة مع موجبات الواقعية السياسية وما فرضته عوامل عدة باتجاه الصحوة وعودة الوعي، لعل في المقدمة منها:
1- واقع جديد يتقدم باتجاه عالم متعدد الأقطاب، ما يعني وضع الأحادية القطبية الأميركية على محك التراجع القسري بسبب صعود نجم الواقعية السياسية ومحدودية استغلال هوامش الحرب الباردة.
2- بروز الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الست كعنوان جديد ضاغط في المشهد السياسي الدولي، في ضوء ما أسفر عنه الحوار السياسي والدبلوماسي المتكافئ من إزاحة واقعية لمفهوم القوة الظالمة الوحيدة الاتجاه لمصلحة الأمن والاستقرار في العالم والاعتراف بحقوق الشعوب بالدفاع عن استقلالها والسيادة الوطنية، وهو ما يفرض على العالم مسؤولية جماعية في محاربة الإرهاب وليس النفاق والابتزاز على هامش الاستثمار فيه.
3- واقع الصمود السوري جيشاً وشعباً في مواجهة الإرهاب وداعميه بكل أشكاله وتصنيفاته السياسية، وتشكل رأي عام إقليمي ودولي يؤكد أن الإرهاب خرج من دائرة اعتباره مجرد لعبة شطرنج سياسية يمكن التحكم بالرقعة وقطعها بل تجاوز ذلك إلى الضرب تحت الحزام حسب الوقائع على الأرض بعيداً أو قريباً من الجغرافية السورية.
وعليه يبقى التساؤل القائم في المشهد السياسي الدولي، هل يحول عبث الخاسرين دون تقدم واقعية حقائق الصحوة وتداعياتها الإيجابية باتجاه محاربة الإرهاب جماعياً بالتعاون مع سورية كأولوية جوهرية لبداية الحل السياسي وتلبية تطلعات السوريين في تحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على الوحدة والسيادة الوطنية السورية!؟ ثم هل إن واشنطن ستواصل انتهاج سياسة المعايير المزدوجة فتصبح تصريحات الوزير كيري أحد أشكالها التعبيرية عندما يؤكد الوزير لافروف عقب المحادثات معه، أنهما اتفقا على محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي لكنه لم يتفق معه على صيغ محددة، ما يعني أن واشنطن تخطو خطوة إلى الأمام لكنها تخفي خطوتين إلى الوراء، والمؤكد أن ذلك لن يتغير كثيراً بإعلان البيت الأبيض أنها فشلت فشلاً ذريعاً بإنشاء ما سمته «معارضة مسلحه» وفقاً للمقاييس التي حددتها الاستخبارات الأمريكية والصهيونية للعمل داخل الحدود السورية، ما يعني سياسة تضع المبعوث الدولي دي ميستورا وجهوده بين الخطوة والخطوتين الأمريكية لتجعله أمام خيارات صعبة قد تكون من بينها الاستقالة؟
ولعل من يستعيد وقائع أسباب إفشال مهمة الجنرال الدابي بعد أن كشف في تقريره عن وجود مسلحين إرهابيين ضد شرعية الدولة والمواطنين السوريين، وكذلك أسباب إقالة أو استقالة كل من المبعوثين الدوليين عنان والإبراهيمي، يتأكد له طبيعة الأجندات التي بررت الإرهاب ووفرت له تغطية سياسية ذرائعية أدت إلى توسيع رقعة الإرهاب وتعدد تسمياته مع محاولة الترويج المضلل لخيارات ليس أقلها الصوملة والعرقنة فضلاً عن تعويم الإبراهيمي لمصطلحات كالحرب الأهلية والخيار الليبي واليمني والطائف اللبناني، والتي واجه جميعها السقوط أمام إرادة السوريين.
إنه ما من شك في أن السوريين بقيادة الرئيس بشار الأسد، سواء بصمودهم السياسي أم في مواجهة الإرهاب قد وضعوا العالم على بوابة التغيير بعد السقوط والهزيمة لكل أنواع الدعايات المضللة، وتصنيع حقائق تمكنت من تغييب عقل العالم طوال أكثر من أربع سنوات وبات الآن أمام اختبار صدقيته، ما يعني أن فرص اللعب على المصطلحات، والوقائع باتت شبه معدومة ولاسيما أن الإرهاب لا دين له ولا وطن ولا جغرافية، وأن كل من يحمل السلاح في وجه الدولة هو إرهابي، وبالتالي فإن أي حل سياسي لا يمثل محاربة الإرهاب جوهره ويقرر السوريون هذا الحل بعيداً عن أي تدخل خارجي سيبقى حركة في فراغ لا معنى لها، ومن يراهن ويرهن نفسه لخيارات أخرى أو يبني أوهاماً ليست من قاموس القوات المسلحة السورية، إنما سيجد نفسه بين ريح الانتظار وعاصفة الانتصار الذي يحققه رجال الحق في الميدان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن