أوراق واشنطن المتناقضة ومشاريعها الميتة
| محمد نادر العمري
تؤسس الإدارة الأميركية لمرحلة جديدة من صراعها في الخريطة السورية تمهيداً لاستحقاقات إقليمية ودولية في مقدمتها تسويغ انسحابها من سورية وملء ما يسمى الفراغ الممكن وتحديد مصير الاتفاق النووي الإيراني والمواجهة مع محور المقاومة والعلاقة مع روسيا بعد جملة التجاذبات السياسية والعسكرية التي حصلت مؤخراً! فهي سارعت لتغير تكتيكاتها الميدانية والسياسية عبر المسارعة للدعوة نحو عقد محادثات جنيف بالتوازي مع إعادة طرح مشاريع قديمة جديدة تتضمن إقامة أكثر من منطقة فيدرالية داخل هذه الخريطة! بما يشكل إعادة توزيع الأدوار على حلفائها في المنطقة والزج بهم في «صراع الوكالة» مع إيران وإعادة تفعيل الدور الفرنسي بما يسمح لواشنطن بالحفاظ على نفوذها بعد الانسحاب وإدارته بما يناسب مصالحها في تدوير الزوايا وخلط الأوراق! ضمن مسارين:
الأول عبر إعادة صياغة التوازنات والاصطفافات السياسية والعسكرية في المنطقة وإيجاد نواة تحالف أميركي عربي أوروبي إسرائيلي، ضد محور المقاومة عموماً، وإغراء باريس ولندن بدور عسكري وسياسي واقتصادي في الملف السوري مقابل تخليهم عن الاتفاق النووي الإيراني! ولذلك سمحت واشنطن لبريطانيا وفرنسا بمشاركة عسكرية بعدوانها على سورية في منتصف شهر نيسان الجاري والتمهيد للمزاوجة بين مشروعين في الشمال السوري تقوده دولتان من هذا التحالف! الأول: هو طرح إحلال قوات عربية بديلة من القوات الأميركية ضمن المنطقة الممتدة من ريفي الحسكة ودير الزور وعلى طول الحدود السورية العراقية وصولاً إلى الأردن جنوباً! والثاني: يتضمن مظلة سياسية ورعاية فرنسية للمشروع الانفصالي الكردي ويتضمن الرقة والقامشلي والحسكة وصولاً إلى منبج وعفرين ويحتوي على آبار النفط والغاز! وهذا يعزز الكباش الفرنسي التركي ويسمح لواشنطن في إدارة التناقضات والتعقيدات ودق أسفين الخلاف بين ترويكا أستانا وتفاهماتها.
أما المسار الثاني فهو يتمثل في الحاجة الأميركية لأمرين: الأول اصطناع قوة تحت مسمى طائفي لمجابهة النفوذ الإيراني في المنطقة! والثاني دخول في مباحثات سياسية مع موسكو تحت ضغط الاشتباك والاستنزاف! بعد إخفاق العدوان الثلاثي في تحقيق أهدافه وبعد الاستعصاء الدبلوماسي الذي أوصل العالم لمرحلة حبس أنفاسه! لذلك قد يشكل اجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في قمة يالطا جديدة تتعدى تأثيراتها الأزمة السورية وهذا يمكن قراءته في تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «المهم ليس انعقاد هذا الاجتماع بقدر الاهتمام بترتيب الملفات والتحضير لها بشكل جيد ومناسب» وكثافة الاجتماعات الدبلوماسية الطارئة التي تضمنها جدول أعمال السفير الروسي في واشنطن مع مستشار الأمن القومي الأميركي ومساعدي وزير الخارجية! تزامناً مع الدفع الغربي للمبعوث الدولي إلى سورية نحو إحياء محادثات جنيف مجدداً أو إيجاد مسار تلاق بين جنيف وسوتشي.
عملياً مشروع فيدرالة سورية إلى أكثر من كنتون «عربي كردي جنوبي» غير قابل للتطبيق في الواقع العملي وهي بمعظمها «مشاريع ميتة» حتى قبل أن تولد! انطلاقاً من الواقعية السياسية والتوازنات الميدانية ومواقف الأطراف الفاعلة منها:
1- الوقائع الميدانية تشير لرجحان كفة ميزان محور المقاومة الذي استطاع بفترات زمنية وجيزة من تحرير معظم الأراضي السورية! وراكم إنجازات وقدرات قتالية متفوقة وتداخل أكثر في معركته المصيرية مع الجانب الروسي! وما حصل مؤخراً من قيام الطائرات العراقية باستهداف تجمع لداعش في الشرق السوري بعد الاجتماع الرباعي في طهران ضم إلى جانب مسؤوليها الأمنيين والعسكريين نظراءهم من روسيا وسورية والعراق خير دليل على ذلك.
2- السعودية والإمارات اللتان تكفلتا بتمويل وإعداد جيش عربي! غير قادرة على الالتزام بما تعهدت به وهذا يعود إلى الوضع العسكري المتأزم لدول الخليج في عدوانها على اليمن والاستعانة بعناصر من ميليشيا «جيش الإسلام» لتحسين وضعها القتالي! ورفض مصر المشاركة بمثل هذه القوات لاعتبارات تتعلق بوضع القاهرة الداخلي في حربها على الإرهاب في سيناء والتنسيق الأمني والعسكري القائم مع دمشق! ولذلك سيكون الخيار أمام السعودية نحو تشكيل جيش من المرتزقة تستقدمهم من السودان وأوغندا بالدرجة الأولى! وتشتريهم من شركتي بلاك ووتر وإريك برينس بالدرجة الثانية.
3- فشل جميع النماذج والمحاولات السابقة ابتداء بما كان يسمى المناطق الآمنة في الشمال والجنوب السوري! مروراً بإنشاء ما سمي «جيش سورية الجديد» الذي سقط متهاوياً أمام داعش في أول معركة له وصولاً لإسقاط ورقة «اللاورقة» التي تحاول واشنطن حتى اليوم من فرضها من خلال مجلس الأمن أو خلف الكواليس الدبلوماسية.
4- رفض إقليمي تركي عراقي إيراني سوري لإقامة أي منطقة فيدرالية في الشمال السوري يكون لها ارتدادات على تماسك هذه الدول داخلياً وتهدد أمنها ووحدتها.
آخر المشاريع الأميركية هي الجنوب السوري والتوجه نحو سلخه من الخريطة السورية والعمق المقاوم في سعي لإرضاء الغضب الصهيوني الضاغط داخل إدارة البيت الأبيض لتحقيق إنجاز عسكري يكسب ثماراً سياسية ويستمر في حلب الأبقار الخليجية التي تعلق آمالها حتى اليوم ورغم سنوات من الفشل والانتكاسات في المشاريع الأميركية الميتة.