وحدة سورية بمقدمة حُرُمُ العروبة والتاريخ
| رفعت البدوي
لم تزل الارتدادات التي خلفها زلزال نجاح الجيش العربي السوري في إفشال أهداف العدوان الثلاثي الأخير على سورية فجر 14 الجاري تتفاعل بين دول العدوان وحلفائهم على الصعيدين الدولي والإقليمي، وخصوصاً بعد حالة الالتفاف الرائعة للجماهير العربية مع الجيش والشعب السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد.
بعد فشل العدوان في تحقيق أهدافه بدأت على الأثر الدوائر السياسية والدبلوماسية والإعلامية بالترويج إلى خطط عسكرية وخيارات تقسيمية فيدرالية بديلة في سورية.
ما يجري تسويقه في الإعلام والصحافة الأميركية والغربية لفكرة انسحاب القوات الأميركية العاملة في سورية واستبدالها بقوات عربية مشتركة مصرية قطرية أردنية سعودية إماراتية بالتعاون مع قوات «قسد» ذات النشأة الأميركية وبتمويل خليجي هو تسويق للوجه الآخر من المؤامرة المستمرة على سورية العروبة ينطوي على أهداف خبيثة.
في الأهداف العسكرية، تَعمَد كل من أميركا إسرائيل إلى نقل المواجهة من حرب سورية ضد فصائل الإرهاب المدعومة من أميركا وإسرائيل ودول الخليج، وجعلها مواجهة مباشرة بين سورية والجيوش العربية.
إن الدول المنوي تمركزها مكان القوات الأميركية هي نفسها التي حاكت ومولت ونفذت وشاركت في أبشع مؤامرة على سورية العروبة ولم تزل، وهي ذات الدول المؤيدة لسياسة الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني وما برحت التسويق لتنفيذ «صفقة القرن» الهادفة إلى إلغاء حقوق الفلسطينيين وطمس القضية الفلسطينية خدمة للعدو الإسرائيلي، ما يعني أن فكرة إرسال قوات عربية إلى سورية هو عمل وظيفي بصفة حارس أمين مهمته الرئيسية هي حماية العدو الإسرائيلي من تعاظم قوة محور المقاومة في أي مواجهة مقبلة وخصوصاً بعد الذعر والإرباك الذي أصاب العدو الإسرائيلي وحلفاؤه نتيجة نجاح الجيش العربي السوري في تسجيل انتصار ساحق أسفر عن تطهير كامل الغوطة بشقيها الشرقي والغربي من الفصائل الإرهابية ما أمّن استكمال طوق الأمان حول العاصمة السورية الأمر الذي أفقد الأعداء أوراق المؤامرة واستنفاد كل وسائل الضغط على سورية.
الملاحظ أن الدول المعلن مشاركة جيوشها هي نفس الدول العاملة لحساب تنفيذ المشروع الأميركي الإسرائيلي وسبق لها أن عملت وما زالت تعمل على فك التحالف الاستراتيجي بين سورية وإيران وتعطيل التواصل الممتد من طهران والعراق مروراً بسورية وصولاً إلى لبنان.
ولكن ماذا عن إمكانات التنفيذ؟ لو استعرضنا وضع جيوش الدول التي أبدت استعدادها الحلول مكان القوات الأميركية في سورية لوجدنا التالي:
الجيشان السعودي والإماراتي غارقان حتى الأذنين في حرب اليمن التي دخلت عامها الرابع دون تسجيل أي انتصار على قوات يمنية شعبية لا تتعدى ربع تعداد الجيشين رغم عقود السلاح الأميركي الضخمة ولا ننسى طلب السعودية والإمارات المتزايد مساندة قوات سودانية صومالية في حرب «عاصفة الحزم» أضف إلى ذلك انشغال السعودية في احتواء حالة التمرد المتزايدة في الداخل السعودي نتيجة سياسات ولي العهد محمد بن سلمان.
الجيش القطري الغارق في البحث عن كيفية مواجهة الحصار الخليجي وتزايد التهديدات السعودية هو نفسه الذي طلب استقدام دعم القوات التركية للحفاظ على مقومات الحكم في دولة قطر.
قيادة الجيش المصري الذي لم يشارك في حرب اليمن ولو بجندي أو ضابط واحد لا يمكنها القبول بالمشاركة في وضع قواته في مواجهة مباشرة مع إخوة لهم في الجيش العربي السوري التي عُمّدت بالسلاح والدم ضد أعداء الأمة.
قيادة الجيش العربي الأردني فهي منذ بدء الأحداث في سورية في حالة تنسيق دائم مع الجهات المعنية في سورية وذلك لاعتبارات الجغرافيا والخطر المشترك بين البلدين.
وإذا ما أخذنا العامل الدولي وعدم صدور قرار دولي من مجلس الأمن فإن فكرة إرسال الجيوش العربية فكرة باطلة ومخالفة لقرارات مجلس الأمن.
العامل الأهم أن الجمهورية العربية السورية سبق لها أصدرت بياناً رسمياً أوضحت فيه اعتبارها أي قوة على الأرض السورية دون موافقة مسبقة من الدولة السورية تعتبر قوة احتلال وغير شرعية وجب مقاومتها وطردها انطلاقاً من عقيدة سورية جيشاً وشعباً وقيادة.
أما الترويج إلى تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ، فإننا نلفت إلى الأمور التالية:
1- سورية قاومت بكل بسالة أشرس مؤامرة في التاريخ وقدمت الأرواح والدماء في أحلك الظروف الدولية والإقليمية دفاعاً عن وحدة الدولة السورية أما اليوم وبعد تحقيق الانتصارات المتتالية واستعادة السيطرة على معظم الجغرافيا السورية إضافة إلى النجاح في إفشال أهداف العدوان عليها فان الجمهورية العربية السورية أضحت أكثر تماسكاً ولحمة حول القيادة جيشاً وشعباً وأصبحت أكثر منعة على مشاريع التقسيم.
2- الصمود السوري الأسطوري أعطى دفعاً قويا لروسيا بوتين بتقديم كل أشكال الدعم الدبلوماسي والعسكري إلى سورية الحليف الاستراتيجي فاستعملت حق النقض الفيتو في المحافل الدولية أكثر من 8 مرات وقدمت الدعم العسكري اللامحدود وذلك في سبيل الدفاع عن سورية الدولة والجيش وبالتالي الحفاظ على سورية واحدة موحدة ما سمح لروسيا باستعادة مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية ما شكل ضمانة لإسقاط كل مشاريع تقسيم سورية.
3- روسيا تعتبر أن أميركا بعد إسهامها في تمزيق وتخريب كل من العراق وليبيا واقتسام خيراتهما بين نفوذ أميركي إيراني في العراق ونفوذ أميركي فرنسي خليجي في ليبيا لا يمكن السماح لأميركا ولا لدول الخليج بتكرار نفس السيناريو في سورية مهما كلف الأمر لان روسيا يهمها حليف استراتيجي موحد وليس مقسماً ممزقاً كما أن روسيا ترى في تقسيم سورية خطراً مباشراً على الأمن الروسي الاستراتيجي الأمر الذي لا يمكن السماح به.
يبقى العامل الأهم الذي يكفل منع تقسيم سورية هو انعدام وجود أي بيئة حاضنة لفكرة التقسيم بين مختلف مكونات الشعب السوري إضافة إلى وجود تصميم القيادة والجيش والشعب السوري على وحدة الوطن السوري وعروبته.
إن من يُمنّي النفس بتقسيم سورية وجب عليه قراءة التاريخ مرتين مرة عندما بدأ التاريخ بالتأريخ من بوابة أقدم عاصمة في التاريخ ومرة أخرى عندما صَنعت سورية التاريخ المجيد وأثبتت أن وحدة سورية بمقدمة حُرُم العروبة والتاريخ.