زمن الانكسار الأميركي
| رزوق الغاوي
تلافياً للظهور أمام شعوب العالم وأمام مريدي السيد الأميركي والسياسة الأميركية والدائرين في فلكها من «أشباه حلفاء وتُبَّعٍ ومنبطحين» بمظهر المنكسر كنتيجة موضوعية لما مارسته المؤسسات الأميركية من «سي آي إيه» و«البنتاغون» وشركات أمنية وعصابات مرتزقة، من عدوان إجرامي في الساحة السورية وشحن مذهبي تحت مزاعم وأضاليل ما أنزل اللـه بها من سلطان.
تلافياً لمثل هذا الواقع السياسي المُزري الذي تعيشه وتتخبط في جزئياته وتفاصيله الإدارة الأميركية الآن، يمضي البيت الأبيض ومتفرعاته باتجاه صرف الأنظار عن ذاك الانكسار عبر تصريحاتٍ متباينة ومواقف صبيانية انفعالية متأرجحة تحمل في ثناياها مدى المأزق الذي تعاني منه إدارة الرئيس دونالد ترامب بسبب السياسة الحمقاء التي درج على ممارستها مذ وطأت قدماه عتبات البيت الأبيض الأميركي.
فقد سبق لترامب أن أعلن أن أميركا ستنسحب من سورية في وقت قريب جداً بعد القضاء على داعش، ثم عاد ليقول إن بلاده دفعت سبعة تريليونات دولار لقاء وجودها في سورية، وقد تواصل وجودها فيها إذ سددت السعودية نفقات مواصلة هذا الوجود.
واشنطن التي تدعي السعي لحل سياسي بمطالبتها بالعودة إلى جنيف، شنت في الوقت نفسه عدواناً مثلث الأضلاع على سورية، ما يعني زيف ادعائها ويؤكد أن قصفها لمواقع سورية قد عقَّد الأمور ووَجَّه طعنة في ظهر جنيف.
وواشنطن التي اتهمت سورية باستخدام السلاح الكيميائي ضد بلدة «دوما»، صرح بعضُ مسؤوليها قبل عدوانها على سورية أنها ليست متأكدة من استخدام سورية للكيميائي.
وواشنطن التي وجهت سهامها باتجاه موسكو متهمة إياها بتهم شتى، فوجئت بدعوة وجهها ترامب للرئيس فلاديمير بوتين لزيارة واشنطن للتباحث حول قضايا في مقدمتها الوضع سورية، إنها واشنطن نفسها، التي تناصب روسيا العداء وترعى العمليات الإجرامية التي ينفذها الإرهابيون بين حين وآخر ضد المؤسسات الروسية داخل روسيا وخارجها.
ثمة تساؤلات عدة تطرح نفسها بإلحاح في هذه الآونة حول ما تهدف إليه الولايات المتحدة الأميركية من خلال طروحاتها التي تبدو على الدوام غير منطقية وغير متزنة ومحكومة في الوقت ذاته بالتناقض والتباين والتأرجح والتذبذب، ما يدعو إلى الاعتقاد بأن المؤسسات الأميركية الحاكمة فعلاً والممسكة بالقرار الأميركي والمُخَطِّطة والمُوَجِّهَة لوضع قراراتها موضع التنفيذ، تذهب باتجاه خلط الأوراق في كل قضية دولية تُقحم نفسها فيها، أملاً في تحقيق أهداف تخدم مصالح الطبقة المهيمنة عسكرياً واستخبارياً ومالياً واستثمارياً في المجتمع الأميركي.
مرة زعمت واشنطن أنها تريد منح الشعب السوري الحرية والديمقراطية وكأنها جمعية خيرية إنسانية لديها خزان حريات وديمقراطيات كبير تريد توزيعها على شعوب العالم، ومرةً ثانية زعمت واشنطن أنها راعية لحقوق الإنسان في العالم وحريصة عليها، وتريد معاقبة سورية بزعم قتل المدنيين بالكيميائي وهي التي قتلت وشوهت مئات آلاف اليابانيين، ومرة ثالثة زعمت واشنطن أنها جاءت إلى سورية لمحاربة العصابات الإرهابية في حين أنها هي التي خططت لتدمير سورية على أيدي آلاف المجرمين والمرتزقة وشذاذ الآفاق الذين استدعتهم من نحو مئة دولة لتنفيذ خطة بندر فيلتمان لتدمير سورية، ومرة رابعة اعتبرت واشنطن أن قوساً شيعياً يمتد من إيران إلى لبنان، الهدف منه خدمة المصالح الروسية والإيرانية في المنطقة العربية على حساب المصالح الأميركية، ومرة خامسة تنقل واشنطن إرهابيين من مناطق حررها الجيش العربي السوري في دير الزور على سبيل المثال كلاجئين إلى مخيم الركبان في الأردن بمواكبة من قبل وحدات عسكرية أميركية موجودة في التنف، في إطار سعي واشنطن ولندن لزيادة عدد الإرهابيين في المخيمات القائمة في الأردن وتدريبهم هناك من قبل ضباط أميركيين وبريطانيين، تمهيداً لإرسالهم إلى سورية لدعم من تعتبرهم واشنطن معارضة سورية معتدلة! ولأمرٍ في نفس يعقوب!
إنها الولايات المتحدة الأميركية التي لا يمكن أن تتغير أو تتبدل على الرغم من محاولاتها ذرَّ الرماد في العيون وتشويه الحقائق وترويج الأضاليل، إنها نفسها التي تعيش الآن زمن الانكسار الأميركي.