الأولى

العدوان: إخفاق الاستثمار السياسي

| بيروت – محمد عبيد

منذ مشاركة إيران ومعها حزب اللـه ثم روسيا إلى جانب الدولة السورية في الحرب على الإرهاب التكفيري، والولايات المتحدة الأميركية وأتباعها في المنطقة يراهنون على النجاح في إحداث انقسامات بين مكونات هذا التحالف الذي نشأ وتعزز سريعاً على قاعدتين، الأولى: التهديد الوجودي لكل من الأطراف المكونة لهذا التحالف على حدة داخل أراضيه أو على حدوده، وبالتالي فإن إيران وحزب اللـه وروسيا كانوا ومازالوا يخوضون معركة «دفاع استباقي» وفق مفهوم «اغزوهم قبل أن يغزوكم» الذي اعتمدته أيضاً مجموعات الإرهاب التكفيري في أكثر من بلد عربي وإسلامي. والقاعدة الثانية: أن حجم الرعاية الدولية والإقليمية المباشرة لتلك المجموعات والرهان على قدرتها على إسقاط النظام في إيران وروسيا وغيرهما بدءاً من إسقاط النظام في سورية، إضافة إلى عزل قوى المقاومة وفي مقدمها حزب اللـه في لبنان، أن هذه الرعاية تفرض على أركان الحلف المذكور صياغة علاقات إستراتيجية تتجاوز الاختلافات حول ترتيب الأولويات في عملية المواجهة، كذلك تفسح في المجال أمام تبادل الأدوار في الميدان كما في المناورات السياسية تبعاً لقدرات كل ركن منها في ضمان الانتصار على الأرض أو التأثير في مواقع القرار الإقليمية والدولية.
أثناء التخطيط للعدوان الغربي الأخير ضد سورية، كان يجري العمل على توزيع الأدوار بين أطراف هذا العدوان وفقاً لصيغة تضمن عدم الاقتراب من المواقع الروسية المنتشرة على الأراضي السورية، كذلك تجنب إصابة القواعد الإيرانية أو تلك العائدة لحزب اللـه والتي يصعب أصلاً تحديد أماكن وجودها، وبالتالي التركيز على استهداف مقرات الجيش العربي السوري والمطارات العسكرية ومصانع الأسلحة المُفتَرضة وذلك لتحقيق أمرين، الأول: ضرب البنى التحتية للقوة العسكرية السورية حصراً مما يعني تعطيل رأس حربة المواجهة المباشرة والمتقدمة والتي يمنح وجودها الحلفاء الآخرين شرعية المشاركة في الحرب، والأمر الثاني: إسقاط النظام في سورية عسكرياً بعد تعذر إسقاطه سياسياً نتيجة عدم تجرؤ قوى العدوان على النيل من مواقع القيادة السياسية أو من مؤسسات الدولة، لأن دون ذلك حسابات خطيرة قد تطيح بالأمن والتوازن الدوليين والإقليميين.
لذلك كله، أتى هذا العدوان بنتائج عكسية على أطرافه وعلى أتباعه في المنطقة والأهم أنه زرع اليأس في نفوس المجموعات الإرهابية التكفيرية من إمكانية الاتكال على رعاتها في واشنطن وباريس ولندن والرياض وأنقرة والدوحة لإنقاذها أو القدرة على إيلام الجيش العربي السوري لتخفيف الضغط عنها. كما أنه سرّع انهيار هذه المجموعات خصوصاً في مناطق ريف دمشق، وهو أمر سيحصل تباعاً في المواقع الإرهابية التالية التي سينتقل الجيش العربي السوري لتحريرها إثر الانتهاء من تمشيط هذا الريف وتثبيت الأمن فيه.
على أن أسوأ التداعيات التي يواجهها أطراف العدوان الأميركي- الفرنسي- البريطاني الآن هي اضطرارها للبحث عن مخارج تحفظ لها ماء وجهها من خلال إعادة إطلاق العملية السياسية، بحيث يمكنها التغني سياسياً وإعلامياً بأن خطوتها العسكرية قد حققت أهدافها السياسية بعدما أجبرت الحكومة السورية على القبول بإعادة التواصل مع فريق الأمم المتحدة بقيادة ستيفان دي ميستورا لاستكمال اللقاءات التفاوضية حول المسائل العالقة وفي مقدمها آليات مناقشة الدستور الموعود!
كذلك فإن أطراف العدوان كانت تأمل أن تُحرِج هذه الخطوة العسكرية الحليفين الأساسيين للقيادة السورية: إيران وروسيا، بحيث تدفعهما إلى ممارسة الضغوطات اللازمة لإقناع هذه القيادة بضرورة الإذعان لخيار استكمال تلك اللقاءات، لكنها فوجئت بصلابة هذين الحليفين ورفضهم السماح باستثمار مفاعيل تلك الخطوة على المستوى السياسي العام والتفاوضي تحديداً، وهو موقف دفع بالمبعوث دي ميستورا إلى طرق أبواب كل من هذين الحليفين علّه يجد لديهما مخرجاً مشرفاً ينفذ منه لفتح صفحة جديدة تعيد اللاعبين كلهم إلى طاولة التفاوض والحوار.
على أي حال، ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تفشل فيها واشنطن وحلفاؤها في اختيار الأسلوب والمكان والزمان المناسبين لاختبار متانة حلف محور المقاومة مع روسيا، كذلك لفرض توازنات تعيدهم إلى موقع الشريك النِّد والمؤثر في صياغة الحل السياسي في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن