اقتصاد

صناديق الاستثمار كحاجة اقتصادية ملحة ومدخل لإعادة تفعيل مفهوم القطاع المشترك

| فراس شربجي

​تُعرّف صناديق الاستثمار بأنها أوعية استثمارية تقوم بجمع رؤوس أموال مجموعة من المستثمرين وتديرها وفقاً لإستراتيجية وأهداف استثمارية محددة تضعها إدارة الصندوق لتحقيق مزايا استثمارية لا يمكن للمستثمر الفرد تحقيقها بشكل منفرد في ظلّ محدودية موارده المتاحة. ويشتمل الصندوق الاستثماري على مجموعة من الأوراق المالية تُختار وفقاً لأسس ومعايير محددة تحقق أهداف الصندوق الاستثمارية وتبعاً لذلك تختلف أنواع صناديق الاستثمار حسب أهدافها وأساليب إدارتها وكذلك حسب القوانين والأنظمة الخاضعة لها.
لصناديق الاستثمار أهمية اقتصادية خاصة لكونها تشكل محركاً أساسياً لعمل القطاعات المالية أو القطاعات الاستثمارية التي تغطيها أنشطة الصندوق، عدا أهميتها في توجيه كتل الاستثمار الكبرى نحو الاستثمارات التي يعجز التمويل الفردي أو حتى التمويل المؤسساتي بشكله البسيط من تغطية حاجاتها.
كما يمكن لصناديق الاستثمار الخاصة أن تلعب دوراً مهماً في استقطاب الادخار وتوجيهه وكذلك في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة وفي تحويل هذا الاستثمار إلى مشاريع منتجة من خلال إنشاء شركات صناعية أو تجارية أو حتى خدمية بشكل مباشر أو عن طريق الاستثمار في أسهم هذه الشركات بما يخدم سياسة الصندوق الاستثمارية، وكذلك من خلال الاستثمار في السندات التي تصدرها بقية الشركات من أجل تمويل أنشطتها المختلفة أو من خلال الاستثمار المباشر في سندات الخزينة التي قد تصدرها المصارف المركزية التي تعمل في إطارها هذه الصناديق.
تخلو التشريعات السورية الحالية من الإشارة إلى صناديق الاستثمار، وتبدو الحاجة ماسة إلى إصدار قوانين تسمح بإنشاء صناديق الاستثمار وتحدد أنواعها وتنظم عملها وتبين طريقة إدارتها بما يتناسب مع احتياجات البلاد الاقتصادية والاستثمارية.
ويمكن لصناديق الاستثمار أن تلعب دوراً مهماً في إحياء القطاع المشترك من خلال إنشاء صناديق استثمار مشتركة بين القطاعين العام والخاص تعمل على إعادة الحياة إلى بعض القطاعات الاقتصادية التي طالتها يد الإرهاب الآثمة من خلال نقل ملكية بعض الشركات العامة أو الأصول والأراضي من الملكية العامة إلى صناديق الاستثمار في مقابل حصول الصندوق الاستثماري المعني على تمويل مباشر يساعد على الاستثمار في هذه الشركات أو القطاعات المتضررة. وتساعد هذه العملية في تخفيف عبء الخسائر التي طالت الشركات العامة وكذلك في تدعيم القطاع الخاص عن طريق تشجيعه على الاستثمار في هذه الشركات التي ستصبح مملوكة من الصندوق الاستثماري المشترك.
إن عملية نقل ملكية الشركات العامة إلى صناديق الاستثمار المشترك وإن كانت خطوة من خطوات خصخصة القطاع العام إلا أنها في هذه الحالة تبدو أقل وطأة من الخصخصة بمفهومها المباشر وتصبح أشبه بدعوة إلى القطاع الخاص للمشاركة في إحياء بعض القطاعات الاقتصادية المتعثرة، عدا أن اتباع هذه الآلية سيسمح للدولة إبقاء سيطرتها على الشركات المحول ملكيتها إلى الصندوق المشترك من خلال اعتماد قوانين وأنظمة تضمن للدولة توجيه سياسة الصندوق الاستثمارية من تحديدٍ لنسب التمثيل في مجالس إدارة الصناديق المعنية ونسب المشاركة في هذه الصناديق وبالوقت نفسه يمكن لهذه القوانين أن تسمح تعديل هذه النسب مستقبلاً تبعاً لمتطلبات نمو الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته الإنتاجية.
وفي إطار أوسع يمكن لصناديق الاستثمار المشتركة أن تحل محل عقود التلزيم طويلة الأمد التي تسمح للمستثمرين الأجانب استثمار وإدارة قطاع أو فعالية اقتصادية معينة لمدة معينة مقابل إعادة إدارة هذا القطاع للدولة بانتهاء مدة التعاقد فيما يعرف بعقود ال بي أو تي أو (بناء- إدارة- تحويل ملكية) وذلك عن طريق تحويل ملكية الأراضي والمشاريع أو القطاعات المراد تلزيمها أو إنشاؤها إلى صناديق الاستثمار المشترك التي تمول من رأسمال المستثمر الأجنبي أو الشركة الأجنبية المتعاقدة بما يكفل إنشاء المشروع المراد تنفيذه وتصبح الإدارة مشتركة عوضاً عن أن تكون محصورة بالمستثمر الأجنبي خلال فترة التعاقد.
من خلال هذه الآلية تزداد ثقة المستثمرين والشركات الأجنبية بالاقتصاد الوطني الأمر الذي سيحرر ويزيد من مساهمة رأس المال الوافد في تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة وسيزيد من استقرار التشريعات الاقتصادية بما يسمح في التوسع في سياسات استقطاب رؤوس الأموال الخارجية بما فيها التمويل من خلال المؤسسات الاقتصادية الدولية وصناديق الاستثمار السيادية والإقليمية كتلك التابعة لتحالف دول البريكس على سبيل المثال والتي يمكن لها المساهمة في تمويل مشاريع تندرج تحت إطار الصندوق المشترك وخصوصاً في القطاعات الاقتصادية الكبرى مثل الصناعات النفطية وصناعات الطاقة والكهرباء.
ولضمان استمرار تحكم الدولة بالقطاعات المعنية بما يضمن سياسات الاستقلال والسيادة الوطنيين يمكن أن يتزامن إطلاق هذه الصناديق المشتركة مع عملية إنشاء هيئات إدارية مستقلة مختلطة على شاكلة هيئة سوق الأوراق المالية تعنى بتنظيم القطاعات المعنية المختلفة كإحداث هيئة عامة للإشراف على الطاقة ومصادر الثروة النفطية وهيئة عامة للإشراف على الإعلام المرئي والمسموع على سبيل المثال.
وفي خطوة لاحقة في حال تحقيق النمو المطلوب واستمراره بشكل مطرد في القطاعات الاقتصادية المختلفة يمكن تحرير المنافسة في هذه القطاعات من خلال تخفيض مشاركة الدولة في هذه الصناديق المشتركة بما يتيح استقطاب رساميل محلية وأجنبية أكبر عندما يصبح الاقتصاد الوطني في مرحلة تسمح بالتحرر من وطأة الإشراف المباشر للدولة والانتقال لمرحلة تصبح فيها الهيئات الإدارية المستقلة هي المسؤولة عن تنظيم القطاعات الاقتصادية المعنية أسوة بما هو الحال عليه الآن فيما يخص هيئة سوق الأوراق المالية المختصة بتنظيم كل ما يتعلق بسوق الأوراق المالية في البلاد تحت إشراف غير مباشر من وزارة الاقتصاد.
وعليه يمكن القول: إن صناديق الاستثمار بشكليها الخاص والمشترك يمكن لها أن تلعب دوراُ بارزاُ في عملية استقطاب مصادر تمويل إعادة إعمار القطاعات الاقتصادية المتضررة بفعل الأزمة الطويلة التي ضربت البلاد وكذلك في عملية تحديث وتطوير هذه القطاعات إضافة إلى الزخم المهم الذي يمكن أن تمنحه هذه الصناديق في سوق الأوراق المالية من خلال عمليات التسنيد وإصدار الأوراق المالية المصاحبة لإنشائها والتي ستترافق بلا شك مع نقلة نوعية في التشريعات الاقتصادية السورية وانسجامها مع متطلبات الأسواق المالية العالمية والمؤسسات النقدية الدولية المختلفة بما سينعكس إيجاباً على نمو الاقتصاد الوطني وازدهاره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن