ثقافة وفن

سورية الثبات والغد

| إسماعيل مروة

ما من ثبات يشبه الثبات الذي يعيشه الإنسان السوري، وخاصة ذلك الذي بقي صامداً ومقاوماً في سورية رافضاً عن قناعة وقرار أن يبحث عن وطن بديل مهما كان هذا الوطن غنياً أو مرهفاً، ولم يشأ أن يكون مبجلاً في مكان ما، مهما كان هذا المكان لأنه لا يحب سورية، فالإنسان الذي لا يحب سورية لا مكان له، وإن كان في الجنان التي وعدتنا بها الشرائع.. هذا الثبات يؤكد تمسك السوري بسوريته، وبإمكانه أن يرحل، وليس من حق أحد أن يرفض ثبات الثابت، ولا أن يتهمه بوطنيته وتبعيته لجهة ما، ولكن أي واحد بإمكانه أن يطرح تساؤلات كثيرة حول وطنية من خرج طائعاً، فهو كمن ترك أمه للاغتصاب حين داهم منزلهم اللصوص فلاذ بالفرار.. فباختصار ومن دون تفلسف، وبتطويل واعتماداً على كل نظريات الفلسفة الوطن والوطنية مفهوم لا يتغير، ليس بإمكان السلطة أي سلطة في الكون أن تعلم أو تملي على الإنسان الوطنية، والوطنية لا تتطابق ولا تتماهى مع الحكومات والسلطات، ولعلّ أهم فرق لا يمكن أن ينكره واحد مهما بلغ من الحمق أن الأشخاص يرحلون بخيرهم وشرّهم، وأن الأوطان وحدها تبقى، وتلد الأبناء الجدد الذين قد يتابعون سيرة سلبية أو إيجابية، أو يقومون باختراع مفهومهم الوطني الخاص النبيل والراقي، أو الوضيع، الأبناء هم من يقرر أن الوطن أمّ وقداسة، أو أنه بقرة يتم حلبها واستنزاف خيراتها، وهم الذين لا يملكون رؤى تقديسية للوطن والذين يقررون التخلص من مؤونتها، وذبحها والتهام لحمها بعد أن استنزفوا حليبها..!
ما من ثبات كما هو الثبات في سورية، ولم يعلم المتصارعون ولم يتعلموا أن هذا الثبات النادر هو الخصوصية السورية، وتتساقط الأوراق الصفراء المهترئة التي لم تعِ مفهوم الوطن السوري، تتساقط وقت انعقاد الزهر واكتمال الورق في الربيع، تتساقط في الصيف مع الثمر، ولا تنتظر الخريف أو الشتاء لأنها سورية، ومع ذلك لم يتعلم المتصارعون أنهم راحلون وأن الاسم الأنقى يبقى..!
تجار الدم السوري، تجار الحرب على سورية في الداخل والخارج وما أكثرهم لم تمتلئ عيونهم وشهواتهم من المال والدم، وتحولت الخيانة إلى رأي يناقشون به، فأن أفرح بسقوط كارثة على قاسيون وأراقبها وأطلبها صار وطنية! وسرقة الفقراء الباقين صامدين في الوطن، وغشهم واستغلالهم وتطفيشهم صار رأياً!!
عندما يرى المتصارعون أن الوطن ملك لجهة، وأن خيره له وحده، وأنّ الآخرين خائنون فإن الأزمة ستبقى، والحرب ستستمر، وعندما لا يدرك الواحد منا أن كل ما يجمعه من مال وبيوت وسلطات وأسطولات ستبقى بعد رحيله فإن الجشع سيستمر، وعندما وعندما.. لا يخرج السوري من حال الثبات، فمنذ سنوات مع بدء الحرب يشكلون حالة من الثبات الإيجابي للسوري المنتمي، وحالة من الثبات السلبي لشرائح قليلة وفاعلة في الداخل والخارج، فهم يريدون هذا الثبات السلبي الذي يحافظ على مصالحهم، ولو كانت هذه المصالح على حساب سورية.. ومع كل ما تقدم، وكل ما جئت عليه وما لم أصل إليه، فإن الثبات الإيجابي السوري سيكون الحاكم الأساس للمرحلة القادمة من الحياة السورية، وأنا على يقين بالإحساس السوري المتجذر بأن سورية الغد المحافظة على وحدتها وسيادتها وإنسانها وحضارتها ستكون بوجه أصيل ثابت ومشرق، وستلفظ السلبيين الذين كانت سورية طريقاً لهم إلى الوصول والإثراء.. وستبدأ سورية رحلة جديدة متجددة، تبني على ما سبق وتشذب كل الشوائب التي علقت في الحرب القذرة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن