اللهم نفسي
| زياد حيدر
في حوار أجرته قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالإسبانية مع رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، انتقدت السيدة الشهيرة، «النخبوية» القائمة في المجتمع البرازيلي، وهي مجتمع الأغنياء والمتفوقين من أصحاب البشرة الفاتحة، التي تسيطر على وسائل الإعلام، وتعامل غامقي البشرة، والفقراء باعتبارهم «عدواً».
وفي إشارتها لفترة حكمها، قالت: إن برامج التوعية الاجتماعية والاقتصادية، كما تطبيق سياسات ضريبية جديدة تطول النخبويين، متزامنة مع برامج تنموية للفقراء، ساهمت في سحب ما يقارب 38 مليون شخص من تحت خط الفقر، ودفعت بالبرازيل إلى خارج قائمة الدول الأكثر فقراً لأول مرة منذ عقود.
كل هذا يبدو وكأنه دعاية انتخابية لروسيف وحزبها العمالي اليساري الانتماء. لكن المفارقة التي تسوقها سيدة برازيليا السابقة، هو أنه حين جاء موعد الانتخابات في 2016 لا أحد من الـ 38 مليون فقير سابق أتى لنصرتها، الأمر الذي دفع حزبها لإجراء استقصاء اجتماعي للبحث عن أسباب غياب أصوات هؤلاء.
تقول روسيفا إن أغلب الإجابات التي حصلوا عليها من عينات الجمهور الذي استهدفته البرامج التنموية، حول أسباب تحسن أوضاعهم المعيشية وانتقالهم صعوداً للطبقة الوسطى، كانت ترد الأمر «لعناية الله» أولاً، ومن ثم يأتي ثانياً في سلم الإجابات «الاجتهاد الفردي»، وثالثاً «دعم العائلة»، ويأتي أخيراً «تقدير برامج الدولة المعنية» بهذه الشرائح.
إنكار جهود الدولة، ورغبة الانسلاخ الطبقي موجودة في كل الدول، ولاسيما دول العالم الثالث. في أوروبا، الضرائب تكسر الظهور، لكن يقابلها بالطبع خدمات عامة ممتازة في أغلبية الدول، وبرامج مساعدة وتنمية كبرى، ولكن من دون إقصاء فساد المسؤولين بالطبع، والذي يبرر داخلياً للكثيرين رغبتهم في الهرب من دفع هذه الضرائب للدولة.
إلا أن الفارق، يبدو صارخا في الإحساس بأن الفرد، المجتمع، والدولة هم بنيان كيان واحد هو الأمة. في دول كثيرة، تتباعد هذه الأعمدة، فلا تستطيع حمل سقف واحد يظللها، وتبدو الأمة وكأنما تتماسك بضرورة الحياة فقط.
الحديث السابق عن البرازيل، ولكنه ينطبق على بلدان أخرى كثيرة. هو عن دولة ولكنه ينطبق على مستوى البلديات أيضاً.
روى لي مرة مخرج سينمائي أرجنتيني أن هيئة تنموية، كلفته مرة بإجراء فيلم تسجيلي عن إحدى المناطق الفقيرة، في بلاده، خصصت لها منحة مالية كبيرة نسبياً، لمعرفة كيف يرغب سكانها في إنفاقها.
كانت المناطق وفق وصفه (وأنا زرت مناطق مشابهة في أميركا اللاتينية) تفتقر لأدنى الخدمات. لا صرف صحياً، ولا مشافي، ولا مراكز خدمات بلدية، ولا مدارس، ولكن بالطبع ثمة مخفر شرطة.
بعد أسبوع من العمل، تبين أن مجتمع المنطقة متفق في أغلبيته على أن ما يحتاجون إليه، أو بالأحرى ما يرغبون فيه، هو ملعب كرة قدم!
شرح لي صديقي، بعد أن رأى ارتفاع حاجبي وجهي، أن القضية هنا، ليس كيف ننجو نحن كحارة، أو قرية، أو طبقة حتى. وليس كيف نحسن شروط معيشتنا ومستوى حياة أولادنا.
العبرة تتلخص في عبارة « اللهم نفسي».
كان جل من في المنطقة يريد ملعباً لكرة القدم، عل الأقدار تفعل فعلها، في ولد من الأولاد الحفاة الكثر، فيصبح دييغو مارادونا آخر، أو ليونيل ميسي جديداً، فيحلق عالياً منتشلاً أسرته من أزقة الفقر نحو السماء. ومن بعده «الشيطان»، حتى تشرق موهبة فردية جديدة.