ثقافة وفن

اللوحة تحمل فراغاً أبيض يستفز الفنان … عبد الله مراد لـ«الوطن»: لا أجد صبراً في عمل لوحة واقعية والتجريد يعبّر عن نزقي الداخلي

| سوسن صيداوي

«ليس إلا التفاؤل وبعض الأمل هو ما يمنحنا القدرة على العيش ومواصلة الحياة». جملة ختم بها الفنان التشكيلي عبد الله مراد عبارات كانت بطاقة تعريفية عنه وعن فنه، صدّرها بإطار وسط لوحاته التي قدّمها خلال معرضه في صالة غاليري كامل بدمشق. مجموعة لوحات عددها ثلاثون عملا، لخصت تجربته الفنية منذ عام 2010 والتي عكست ما دار في نفسه وخلده من مشاعر وأفكار، معرفا عن نفسه بقوله «كفنان أعشق كل ما يجعل الحياة في ألق دائم وتوهج. وما كان الفن على مدى التاريخ إلا دعوة ضمنية للحرية والانعتاق في عالم ما زال يكتنفه العنف والفوضى وانعدام العدالة». وهذا أمر طبيعي وواضح من خلال أعماله التي تتضامن معه وترفض الرتابة، لأنها لا تحمل أي إصرار في الاستمرار في موضوع، بل هي خاضعة للحظية بحتة. وعن اللوحات هناك الكثير مما يقوله الفنان وما أضافه الزوار. وإليكم المزيد.

تجريد بلا تعقيد

شرح الفنان مراد بأنه بالعموم يحب ألا يحمّل اللوحة ما لا تحتمله من سرد وأفكار، فهو يعتبرها شيئاً تحقق وجوده في لحظة ما نتيجة صراع عبثي مع الخامات والأدوات، مضيفا بأن هذا العبث يحاكي حياتنا ووجودنا ودائما يرى بأن التصوير لغة تتشكل من الصمت، تُسمع بالعين وتُدرك بالبصيرة، متابعا «بصراحة عندما أبدأ بلوحتي لا أكون محددا للموضوع، فالتجريد لا يحتمل الأفكار والمواضيع المعقدة أو الصعبة، بل هو عبارة عن تشكيل من مساحات وبقع لونية تتصادم مع بعضها لتشكل حركة على سطح العمل، حيث تُحدث إيقاعاً مشابهاً للإيقاع الذي تحدثه الموسيقى، فكما العازف يرتجل النوتات أو يضعها من أجل أن يحقق غايته في التأليف، كذلك الفن التجريدي الذي لا يمكننا أن نوصفه بالموضوع بأنه مثلا عاصفة أو مطر أو طبيعة صامتة. هذا وأحب أن أضيف بأن التجريد بالنسبة لي هو كالفضاء الواسع، وأنا لا أجد في نفسي صبرا بأن أعمل مثلا لوحة واقعية، لأنّ التجريد يمنحني مجالا أوسع للحرية، ويعبّر عن النزق داخلي. ومن جهة أخرى، دائما الناس يسألونني (ماذا تمثل اللوحة؟). وللصدق هذا سؤال مربك للرسام، فعلى المشاهد أن يتقبل اللوحة وأن يتقبل العمل الفني كمنتج مصنوع بنوع من الابتكار. وفي النهاية أرى بأن الفن ليس بتقليد الطبيعة، بل هو بإعادة تشكيلها بشكل جميل».
وحول العلاقة التي تربط الفنان باللوحة أضاف: «في الحقيقة هناك علاقة جدلية بين الرسام واللوحة، فاللوحة دائما تحمل فراغاً أبيض يستفز الفنان بملء السطح بالألوان والتشكيل، وحتى العلاقة- يمكننا القول- حميمية بين الفنان والعمل الفني الذي يبوح من خلاله عن مكنوناته الداخلية».

أعمال بأحجام وبألوان
بالعودة إلى البطاقة التي عرّف بها الفنان التشكيلي مراد أعماله أشار إلى أن التصوير بالنسبة له هو عمل مملوء بالألغاز المحبوكة بتأثير التجاوب والتنافر بين البقع والخطوط والأشكال، وديناميكية العمل تنتج من تأثير هذه التصادمات بين العقل والمنطق وبين الانفعال العاطفي المتأجج، مضيفا حول الأعمال «اللوحات كلّها من عام 2010 وهناك بعض الأعمال الجديدة، وكلّها توضح مراحل تطور التجربة، فهناك ببعضها يغلب التجريد ويغلب ببعضها الآخر بأن يكون التلوين مأخوذاً من الطبيعة من الليل والنهار بهكذا إيحاءات. أما بالنسبة للألوان، التنوع بها هو حسب الحالة النفسية لدي والظروف التي تحيط بي وتؤثر فيَّ، وهذا ما يدفعني حينا للتلوين بالرماديات، وأحيانا أخرى بالتلوين بالألوان الحارة، وعلى العموم أرتاح إلى اللونين الأزرق والرمادي، وأرمز للأزرق إلى المطلق كالبحر الواسع والسماء الرحبة، كما أنني أرتاح إلى الترابيات والألوان الحارة، إذا الأمر متعلق بما ذكرته سلفا». وبالنسبة لتفاوت الأحجام في الأعمال التي قدمها أضاف «أجد بأن اللوحة الكبيرة فيها الكثير من التحدي وذلك من خلال السيطرة عليها وعلى المساحات بها، ولكن هذا لا يقلل من أهمية اللوحة الصغيرة والتي أجد فيها المتعة».
وختم حديثه بالشرح عن سبب ابتعاده عن الساحة الفنية بأن الوضع سابقا لم يتح له العمل، في حين اليوم وبالرغم من كل الظروف فهي مهيأة بشكل أكبر كما تسير نحو الانفراج والطمأنينة، مؤكدا أن هناك الكثير من التجارب الشابة الناضجة في العمق والتفكير، والتي تحدّت كل الظروف خاتما «هناك إخلاص واهتمام كبيران بالعمل الفني، وهذا ما يجعلنا نأمل خيرا بأن للحركة التشكيلية مستقبلاً واعداً».
آراء حول

خلال الافتتاح حضر الفنان التشكيلي أحمد أبو زينة الذي هو بالأصل صديق للفنان مراد وكان زميلا معه في الجامعة، حيث تحدث عن الفنان قائلا «بالرغم من وجود الرماديات في اللوحات إلا أنني لا أعبر عنها بكلمة كآبة، فالكلمة مرفوضة في أعماله، وبالطبع الفنان مراد له اسمه بالفن التشكيلي السوري والعربي وحتى العالمي، ولأني أعرفه جيدا وكان زميلا لي في الجامعة، هذا مكنني من مواكبة أعماله ومسيرته، فأنا أجد بأن أعماله تبث دائما الفرح والسرور. وفناننا أعماله دائما وليدة اللحظة، فهو يعمل من دون مقدمات أو أفكار حتى لو كان في اللوحات صخب، والمعرض جميل جدا وهذا أمر متوقع».
من جانبه أثنى الفنان التشكيلي علي الكفري على الأعمال قائلا «علاقتي مع الفنان مراد قاربت أربعة عقود، وهو لم يتغير أبدا ولوحته بالتالي لم تتغير، وأي لوحة يراها المشاهد يعرف بأنها تخص فناننا، وذلك يعود للأسلوب الذي يتمتع به والذي يصعب وجوده عند فنان آخر، وخاصة بأنه قادر على السيطرة على اللوحة مهما كانت كبيرة لأنه يضع إحساسه بها مستندا إلى كل ما اكتنزه من ثقافة فنية عالية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن