قضايا وآراء

الانتخابات النيابية العراقية بين حكومة «الأغلبية السياسية» أو «الشراكة الوطنية التوافقية»

| أحمد ضيف الله

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في الـ6 من نيسان الجاري، تصديقها على قوائم المرشحين لانتخابات المجلس النيابي المُقررة في الـ12 من أيار المقبل، بعد انتهاء تدقيق صحة البيانات المقدمة من قبل المرشحين، في الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة، والأدلة الجنائية، ووزارتي الدفاع والداخلية، ووزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتربية، الذين بلغ عددهم 6986 مرشحاً منهم 4972 من الذكور و2014 من الإناث، مشيرة إلى أن 96 مرشحاً جرى استبعادهم لشمولهم بإجراءات الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة، ولم يتم استبدالهم.
سيخوض هؤلاء المرشحون الانتخابات في 18 دائرة انتخابية تمثل عدد المحافظات العراقية، للفوز بأحد مقاعد المجلس النيابي البالغة 329 مقعداً، من خلال 27 تحالفاً انتخابياً، ينضوي ضمنها 143 حزباً سياسياً، حيث سيتوجه نحو 24 مليون ناخب يحق لهم التصويت في الانتخابات المقبلة للإدلاء بأصواتهم، من بين 36 مليون نسمة هو عدد سكان العراق.
من أبرز التحالفات الانتخابية المشاركة ثمانية، منها: اثنان سنيّان هما، ائتلاف الوطنية برئاسة إياد علاوي، وتحالف القرار العراقي برئاسة أسامة النجيفي، واثنان كرديان الأول: تحالف وطن، المشكل من القوى الكردية المعارضة الثلاث، حركة التغيير والجماعة الإسلامية وتحالف الديمقراطية والعدالة. والثاني قائمة السلام الكردستانية، المشكلة من الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستاني. إضافة إلى أربع تحالفات شيعية هي: ائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي رئيس الوزراء، وتحالف الفتح المبين برئاسة هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر، وائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي نائب رئيس الجمهورية، وتحالف سائرون المدعوم من مقتدى الصدر.
ومع انطلاق حملة الدعاية الانتخابية في الـ14 من الشهر الجاري، التي ستستمر حتى نهاية الـ10 من أيار القادم، حيث تدخل البلاد في صمت انتخابي لمدة 24 ساعة، عبر الكثير من المرشحين عن خشيتهم من إمكانية التلاعب بنتائج الانتخابات من خلال إرغام الناخبين على التصويت لصالح قوائم انتخابية ومرشحين محددين، باستخدام المال أو الابتزاز أو التهديد بالسلاح، مشككين أيضاً بآلية عمل فرز الأصوات والعد المتبعة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
فعلى الرغم من قيام القوى والتكتلات السياسية العراقية بالتوقيع على ميثاق الشرف الانتخابي في الـ28 من آذار الماضي، الذي تضمن 24 بنداً، يمنع بموجبها حملات التشهير بين الكتل المتنافسة في الانتخابات النيابية، واستخدام وسائل الضغط كالتهديد أو التحريض أو إجبار الناخبين على التصويت، مديناً «أي خطاب طائفي أو عرقي»، داعياً إلى «تحييد الملف الأمني، وعدم استخدامه لأغراض انتخابية»، ستزداد وتتصاعد حدة حملات التشهير السياسي والشخصي التي تقوم بها مجاميع المواقع الإلكترونية المعروفة الانتماء أو غير المعروفة، كلّما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي، مغيرة ما كان يجري عادة في الانتخابات السابقة، باستهداف مكون عراقي لمكون آخر، ففي هذه المرة الاستهداف نوعي داخلي: شيعي شيعي أو سنّي سنّي أو كردي كردي، حيث الانقسام السياسي طال الجميع دون استثناء، السنّة والشيعة والأكراد.
لقد أكملت القوى السياسية العراقية تحالفاتها بتعثرات كبيرة وسجالات وانشقاقات لم تتوقف حتى الآن، تلاها خلافات حادة داخل أغلبية الكتل السياسية حول تسلسل أسماء المرشحين في اللوائح الانتخابية، وبخاصة موقع الرقم 1، أدى بعضها إلى معارك وإطلاق نار كما حصل بين مرشحي ائتلاف الوطنية في محافظة ديالى، الذي يرأسه إياد علاوي نائب رئيس الجمهورية، والمشارك فيه كل من رئيس المجلس النيابي سليم الجبوري وصالح المطلك رئيس ائتلاف العربية نائب رئيس الوزراء السابق.
وفي ظل ما مر به العراق من ظروف وأحداث سياسية وأمنية وانغماسه في الحرب على تنظيم داعش وتداعياتها، فإن حالة الارتباك والتصادم والانقسام في عدد من التحالفات، هو نتيجة طبيعية للأجواء الانتخابية المقبلة، بعد أن تعرضت سمعة أغلب الكتل والائتلافات والوجوه السياسية، إلى فقدان الثقة من قبل جمهور الناخبين، نتيجة الفساد والإخفاق في إدارة الدولة منذ عام 2003، ما يعني أن الحملات الانتخابية ستكون شرسة، وقد تصل إلى مستوى كسر العظم، كلما اقترب موعد استحقاقها.
وبالتالي فإن الحديث عن تحالفات متينة قبل الانتخابات غير واقعي، ما يعني أن نتائج الانتخابات وحدها سترسم ملامح التحالفات المقبلة، وشكل المجلس النيابي القادم، وتركيبة الحكومة وتوجهاتها السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، والموقف من تواجد القوات الأجنبية على أرض العراق، وكيفية معالجته، على وجه الخصوص.
لقد أفضت حكومات الشراكة الوطنية التوافقية بين القوى السياسية التي أدارت العراق منذ عام 2003، إلى نظام محاصصة، وزعت من خلاله مواقع الحكم وإداراته، وحتى مشاريعه التنموية والاقتصادية على أساس حزبي وطائفي وقومي، ويمكن الجزم بأنه هو الذي تسبب بأبرز المشكلات التي يعاني منها العراق اليوم، كالفساد وسوء الخدمات والإدارة والعنف.
وفي ظل تشابه البرامج والحملات الدعائية لمرشحي الانتخابات النيابية، فإن رؤية هؤلاء لطبيعة نظام الحكم المقبل، وشكل التحالفات المطلوبة، تكاد تكون نقطة الخلاف الوحيدة بين توجهات القوى المشاركة بهذه الانتخابات، بين من يطالب بحكومة «الأغلبية السياسية» التي درج نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون نائب رئيس الجمهورية منذ أشهر طويلة على الدعوة لها، حتى حينما كان رئيساً للحكومة السابقة، وبين أسامة النجيفي رئيس تحالف القرار العراقي نائب رئيس الجمهورية، الذي حذر في بيان له في الـ9 من نيسان الحالي، من «مفهوم الأغلبية السياسية وتفرد حزب أو طائفة أو شخص في إدارة الدولة»، مشيراً إلى أنه «لابد من عدم هيمنة السلطة التنفيذية على بقية السلطات ومصادرة صلاحياتها الدستورية»، مع أنه سبق أن قال لدى لقائه نائب رئيس البعثة اليابانية في العراق أكيرا أندو في الـ20 من شباط الماضي: إنه «على رغم الإشكالات التي لا تزال قائمة، يمكن التعاون بين الأحزاب لتشكيل حكومة أغلبية سياسية تشارك فيها مكونات الشعب العراقي، وتكون هناك معارضة تشارك فيها المكونات الأخرى كخطوة انتقالية أولى للوصول إلى الحل الوطني الشامل».
وفيما أمسك حيدر العبادي رئيس الوزراء رئيس ائتلاف النصر، العصا من منتصفها، حين قال في ذكرى استشهاد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في الـ18 من آذار الماضي: إنه «مع التوافقية السياسية التي ترعى مصلحة البلد والمواطنين ولسنا مع التوافقية السياسية التي تبحث عن الامتيازات والمناصب، ونحن مع الأغلبية (السياسية) التي تحفظ قوة البلد ولسنا مع الأغلبية التي تريد المناصب واستبعاد الآخر، فنحن نريد بلداً قوياً متراصاً وعراقاً موحداً يلعب دوراً مهماً في المنطقة والعالم».
لم تفصح باقي القوى السياسية عن موقفها من تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، أو حكومة الشراكة الوطنية التوافقية، وإن كان من المرجح أن تتجه القوى السياسية السنيّة الناشئة، خاصة تلك التي قاتلت تنظيم داعش إلى المشاركة في حكومة الأغلبية السياسية، إضافة إلى مشاركة قوى وشخصيات كردية، في مقدمها حركة التغيير، والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية الذي يتزعمه برهم صالح، وحركة الجيل الجديد برئاسة شاسوار عبد الواحد، في هكذا حكومة.
إن الهدف الأساس من مشروع الأغلبية السياسية، هي أن تتحمل جهات سياسية محددة مسؤولية العمل السياسي، ومسألة الفشل والنجاح، لا أن يشترك الجميع في حكومة أسميت شراكة وطنية، وهي محاصصة، مثلما هو حاصل الآن، يهاجموننا في الفشل، دون أن يستقيلوا، مجيرين النجاحات لمشاركتهم بها، حين تحصل.
إن حكومة الأغلبية السياسية هي مطلب شعبي، وهي لا تعني بأي حال من الأحوال أغلبية طائفية أو قومية أو عرقية، إنما هي أغلبية قوى سياسية تجمع وتتفق على مشروع سياسي موحد للدولة، إذ لا يمكن أن تستقيم أي عملية سياسية إلا بوجود جبهتي موالاة ومعارضة، وهي من الأمور المهمة لحيوية الحكم. وبما أن المكون الشيعي، هو الكتلة الوازنة الأكبر في المجتمع العراقي، التي سيخرج منها رئيس الوزراء الجديد، فإنه من المتوقع أن تحصل قواه المتنافسة في هذه الانتخابات على مقاعد متقاربة، مما يصعب على أي كتلة فيه، حسم منصب رئاسة الوزراء لصالحها، من دون التحالف مع باقي القوى السنيّة والكردية، منفردة أو مجتمعة، وهو ما يزيد من حظوظ تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، التي تحتاج على الأقل إلى 165 مقعداً، حتى يمكن تمرير تشكيلتها الوزارية في المجلس النيابي القادم، ما لم يتعرض العراق إلى ضغوط إقليمية ودولية، تعيده مجدداً إلى تجربة حكومة الشراكة الوطنية التوافقية، أي المحاصصة، لإبقائه ضعيفاً ومشرذماً، يسهل احتواؤه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن