اقتصاد

مستجدات حروب «الخط 33»

| علي محمود هاشم

لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية «إعطاء إيران ممراً مجانياً إلى المتوسط»…
ليس «هلالاً شيعياً» إذا كما درجت المواطئ البريطانية شرق المتوسط على ترداده، ولا هو قوافل أسلحة تصل من طهران إلى حزب الله على جبهات لبنان الجنوبية مع الصهاينة، إنه ببساطة شاطئ المتوسط الذي لا يحتاج إلى مزيد من الفلسفة الجغرافية لتبيان حيويته في الحرب التجارية العالمية المستعرة راهناً.
على ما فيه من «زلة فرويدية» تفضح أهداف الحرب المغلفة بالإرهاب الوهابي على سورية، فحتى هذا التعبير الترامبي إنما ينطوي على بعض المخاتلة، فميناء طرطوس هو البوابة الشرقية لخط العرض «33» الذي لطالما تركزت على جانبيه حروب التجارة منذ آلاف السنين، قبل أن تنضم «الطاقة» إلى جبهاتها في النصف الثاني من القرن العشرين، ليشتد أوارها مع «البعثات» الوهابية إلى أفغانستان، فاحتلال العراق.
في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي قبل أيام، أفصح ترامب مجدداً عن انقسام المصالح العميقة على ضفتي الأطلسي، ليس على مستوى الدول، بل وفق تصنيف كارتيلات النفط والسلاح، قوله إن: «الدول الخليجية لم تكن لتكون غنية لولا حماية الولايات المتحدة» وإنها «ستدفع المزيد من الأموال في سورية» و«جنودنا سيعودون للوطن»، يعبر عن تململ من يمثلهم في «دولة الغرب العميقة» العابرة للأطلسي، حيال استمرار إقباض جناحها الآخر على الثروات الخليجية طوال العقود الأربعة الماضية، على الأقل.
لا يعني ترامب ما يقوله بقدر ما يفسّر جانباً من الحرب الطاقوية التي سمحت لمشيخات الخليج باستخراج ثرواتها، وذلك على عكس دول أخرى تفوقها في احتياطياتها النفطية والغازية، كإيران وأفغانستان وسورية ولبنان وفلسطين والسودان، كما فنزويلا والجزائر وليبيا.
حديث ترامب يعكس جملة من التبدلات التكتيكية على جبهات الحرب، فجأة، تم تبريد شرق آسيا عبر تفاهمات سياسية صينية روسية غربية، بالتزامن مع سعي لتلطيف قسوة الحرب على سورية.. مصالح الكارتل «العسكري» الغربي على المقلب الآخر، لا تزال تصرّ على تعميق الصراع انطلاقاً من أفغانستان حيث إحدى عقد «طاقة/ تجارة» آسيا، وعلى البقاء عند بوابتها السورية الشرقية، عبر قوات مطعّمة «بالعروبة» هذه المرة!.
قبل نحو العام، جرى إعادة تموضع استراتيجي لتركيا ومن خلفها قطر، الطلب اليوم من الإمارة إرسال «قواتها» إلى سورية، جاء لتوتير ذلك التموضع الذي أنيط بشركة «روس نفط» الروسية إتمامه في «قطر» استكمالاً لآخر سبق أن عملت «غازبروم» عليه مع «تركيا»، فهذه المشيخة التي باتت توصف اليوم بـ«موطئ القدم الروسي في الخليج» كان عملاق النفط الروسي نجح باجتذابها «ومن خلفها» إلى تفاهمات طويلة بين منتجي الغاز الأكبر في العالم، ليتعزز ذلك بافتتاح مقر روسي طاقوي في «واحة قطر للعلوم» مطلع الشهر الجاري.
الإمارة محشورة في الزاوية اليوم: هل ترسل «قوات» إلى سورية؟ أم لا؟؟.. واقعياً، فلكلا الخيارين ثمن يمكن استلماحه في نبرة تشفي التصريحات السعودية «ومن خلفها»: إرسال قوات/ بقاء «قاعدة العيديد» / بقاء المشيخة.. رفض/ سحبها/ نهايتها!
مصر، المترنحة في تموضعها الجيوسياسي، يبدو أنها حزمت أمرها لمنافسة الدور الوظيفي لمملكة الأردن، فكما كانت شاهدا «ما شفش حاجة» باليمن، قررت اليوم التعبير عن قبول مبدئي بـ«إرسال قوات حفظ نظام» إلى المناطق المحتلة شرق سورية..
ليس قرار القاهرة دون ثمن، فبعد تمنع عن «فكرة القوات»، ما لبثت تطلعاتها أن انبثقت مجدداً بعد الإعلان عن أنها باتت «تملك مفاتيح الغاز في شرق المتوسط».. هذه الجزرة قدمتها لها فرنسا وبريطانيا -أكبر المنهزمين في سورية- عبر مذكرة تفاهم «شراكة استراتيجية في مجال الطاقة» نهاية الأسبوع الماضي، ليليها إعلان النظام المصري قبوله بتدعيم استمرار الفوضى شرق سورية!
الآمال المصرية ترمق استمرار تدفق «العمولات» السعودية مشفوعة بوعود مدهونة «بزبدة الليل» تناغي أحلام «مقر إقليمي لإمداد الطاقة»، لكنها تقامر مجدداً -وعلى غرار صفقة «تيران وصنافير»- باستنهاض عداء اقتصادي مع البيئة الآيلة للانتصار شرق المتوسط، ومن يدري فقد يفضي ذلك يوماً لتجاهل مصالحها الحيوية بعدما تستتب الجغرافية السورية العراقية كطريق كممر أكثر استثمارية من المعابر البحرية شمال إفريقيا.
وسط مؤشرات جدية على تفاهم محتمل روسي صيني مع «بضع أمريكي»، ليس محظراً على الغاز الإيراني الوصول «الفردي» إلى البحر المتوسط «لكن ليس مجاناً»، بينما أفغانستان تبدو مرشحة لمعاودة تنشيطها كخط قطع «احترازي» للتجارة الصينية نحو شاطئ المتوسط ريثما تتضح مآلات الحرب الاقتصادية القائمة، أما بريطانيا وفرنسا، فتقامران بآخر سطوتهما الاستعمارية للخروج من الحرب دون سمة «أكبر الخاسرين»، وكلاهما تعانق الرعب السعودي من تبدلات عوائد الثروة المدفونة أسفل المنطقة تبعا لنتائج حرب الطاقة فوقها.. قطر محشورة تماماً داخل ثنائية الانضمام للمنتصرين، وسط مخاوف من تلاشي الإمارة قبل إتمام الانتصار، وبعض مصر يقامر بأرض الكنانة بأكثر من الجوائز المعلنة على الطاولة.
على هذا المنوال تبدو الجولة الجديدة من الحرب المستمرة على ضفاف خط العرض 33.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن