قضايا وآراء

أميركا والصين.. مواجهة ساخنة وترامب المُتقلب سينحني

| قحطان السيوفي

فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية بقيمة 50 مليار دولار هنا، ورسوماً أخرى بقيمة 100 مليار دولار هناك، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك لحرب تجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم هما الصين والولايات المتحدة، ولكن ترى من سينحني أولا؟
عندما صعَّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من التوتر التجاري مع الصين هذا الشهر تعهد الرئيس الصيني تشي جينبينج بحماية قوانين التجارة العالمية، مستشهدا بمثل صيني: «حين تسقط السماء، على الرجال الكبار الإمساك بها»، وموقف الصين الحازم بُني على قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على بضائع صينية مستوردة، وقبل ذلك اصدر ترامب «قانون السفر إلى تايوان» الذي يشجع زيادة التبادلات مع تايوان التي تعتبرها بكين أرضا صينية، وقول ترامب «إن العلاقات التجارية الصينية الأميركية ليست نزيهة» رد عليه الصينيون بأنهم واثقون بقدرتهم على مواجهة أي حرب تجارية، وفي الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني أمام منتدى «باواو» الذي عقد على جزيرة هاينان في العاشر من نيسان الجاري، تجاهل الضغوط الأميركية، وشهد أكبر استعراض للبحرية الصينية، وأعلن أن الجيش الصيني سيجري تمارين بالذخيرة الحية في مضيق تايوان، ليوجه رسالة لإدارة ترامب حول محاولتها تعزيز علاقاتها مع تايوان.
قال مسؤولون صينيون: إن المحادثات التجارية الثنائية بين بكين وواشنطن لا يمكن أن تُعقَد في ظل التهديد، مشيرين إلى أن القبضة الحديدية للرئيس تشي ستساعدهم في تجاوز أي حرب تجارية مع واشنطن، وخصوصا أن ترامب يواجه متاعب سياسية متصاعدة في الداخل.
الواقع يشير إلى أن ترامب هدية إلى الصين لأنه مملوء بالعيوب وضعيف من الناحية السياسية، ولو كانت الصين تتعامل مع رئيس أميركي يتمتع بتأييد واسع ورؤية إستراتيجية، لكان الوضع أصعب بكثير.
تهيمن على الأسواق الآن كلمات وأفعال الرئيس الأميركي الذي يتبختر على المسرح العالمي باعتباره الممثل الذي يأخذ دور المتبجح الجامح، وبتغريداته الغريبة كأنها إلهاءات من تلفزيون الواقع.
بعد فترة وجيزة من إقرار تشريع تخفيضات الضرائب، قام ترامب بطرد عدد من كبار المسؤولين الذين أظهروا أنفسهم أنهم هم الراشدون.
هناك ازدواجية في شخصية الرئيس الأميركي: ترامب المؤمن بالسوق الحرة، والآخر ترامب الحمائي الذي يريد بناء الجدران الحدودية، وفرض رسوم جمركية، ومستشاروه الجدد يعملون على إقناعه بمواجهة عدم نزاهة التجارة العالمية، وتقليص الفوائض التجارية الصينية.
سنشهد الآن حرباً مدمرة من الكلمات والأفعال بين جانبي شخصية ترامب المزدوجة، فترامب المؤيد للشركات، يشعر بالقلق من ترامب الحمائي، وترامب سيصدر المزيد من التهديدات والإجراءات الجامحة، في الوقت الذي يتواصل فيه قرع طبول الحرب التجارية، وخاصة أن مستشار ترامب الجديد للأمن القومي ووزير خارجيته الجديد حريصان على التدخل العسكري، وهذا يجرجر ترامب إلى تهديدات وإجراءات عسكرية تشتت الأنظار عن مهمته التي يدعيها في تشجيع النمو نظريا.
تخوض الصين حرباً مع فائض الإنتاج من الصلب، وعلى مدى العامين الماضيين، خفضت الصين ملايين الأطنان من القدرة التشغيلية، مع ذلك، زاد إنتاج الصلب الخام في الصين بنسبة 6 بالمئة على أساس سنوي خلال أول شهرين من عام 2018 ما يمكن أن يفاقم العلاقات التجارية المتوترة أصلاً بين بكين وواشنطن.
بالنسبة لترامب عدم المضي في تطبيق الرسوم التي يهدد بها سيكون دلالة على ضعف جيوسياسي في وقت لا تجري فيه الصين أي تغييرات في نظامها الاقتصادي التي تطالب بها إدارة ترامب، في نقاش جرى الأسبوع الماضي بين كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي وصحفي صيني في البيت الأبيض، سأل الأخير: هناك نزعة قومية مرتفعة في الصين، فـ90 بالمئة من أفراد الشعب الصيني على استعداد لخوض حرب تجارية ضد الولايات المتحدة، لكن في الولايات المتحدة لا أعتقد أن هناك 90 بالمئة من الأميركيين ممن هم على استعداد لخوض الحرب، لذلك كيف تتوقع أن تتراجع الصين عن هذا الموقف؟ الجواب كان متلبسا.
في عالم يسوده شعار «أميركا أولا»، يعتقد ترامب أن الرسوم الجمركية التي يفرضها، تساعده لخوض حرب تجارية تهدف إلى انتزاع تنازلات من بكين، علما أن عقوداً من الجهود الهادئة من إدارات أميركية سابقة فشلت في إرغام الصين على تغيير أساليبها.
إدارة الرئيس السابق باراك أوباما اعتمدت على بناء تحالفات تجارية إقليمية خارج إطار منظمة التجارة العالمية لاستخدامها لتضمين قواعد جديدة في الاقتصاد العالمي عسى أن تُلزم بكين باتباعها، واتفاقية الشراكة عبر الباسفيك، التي انسحب منها ترامب خلال أول يوم في ولايته، كانت تهدف لتحقيق ذلك، بالمقابل ترامب ومساعدوه يحبذون خوض مواجهات ساخنة ما يجعل الحرب التجارية مع الصين أكثر احتمالاً، ولا يبدو أي من الجانبين على استعداد للاستسلام في ما يسمى حروب الابتكار، ورسوم ترامب الجمركية هي إحدى السبل التي تستخدم في هذه الحروب، على الأقل من أجل منع الصين من أن تكون قادرة على إكراه الشركات على تسليم ما لديها من معرفة فنية ثمناً لدخولها إلى السوق الصينية، وأيضاً وضع قيود جديدة على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، من أجل إيقاف الشركات الصينية عن الاستحواذ على التكنولوجيا الأميركية لكن لن يسمح الزعماء الصينيون بأي من الخطوتين دون ردود فعل انتقامية.
فالخطوتان موجهتان ضد ما تعتبره الصين تأمين دور عالمي رائد في التكنولوجيات المتقدمة، وضد الخطة بعنوان «صنع في الصين 2025»، والشركات والاقتصاديون والمستثمرون في أنحاء العالم يطالبون بالمفاوضات، ويحثون ترامب والصينيين على أن «يعطوا السلام فرصة» لكن المواجهة ساخنة؛ لا يبدو، الآن، على أي من الجانبين أنه سيقبل بالانحناء أمام الآخر، ولكن تجربة ترامب مع رئيس كوريا الديمقراطية الأخيرة، تشير إلى أن ترامب المتقلب الجامح سينحني أمام موقف الرئيس الصيني الحازم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن