من دفتر الوطن

شجرتان!

| عصام داري

في زيارتي لتونس منذ سنوات خلت، عرفت لماذا تتربع تونس على رأس قائمة الدول العربية في مجال السياحة، ولماذا يقصدها السياح الأوروبيون، ولماذا يعتبر النشاط السياحي من أهم مصادر الدخل الوطني التونسي.
فإضافة للسواحل النظيفة وسلسلة الفنادق المتعددة النجوم وبأسعار معقولة تقل كثيراً عما هو موجود في سورية، نجد اهتماماً كبيراً بالطبيعة الخلابة وحمايتها ورعايتها بشكل كبير.
وفي جولة بالسيارة في الحديقة العامة في تونس، فالسيارات تمر عبر الحديقة نظراً لاتساعها، لفت نظري شجرة عملاقة لنبتة زينة عندنا اسمها «كوشوك» فطلبت من السائق التوقف، فترجلت واقتربت من هذه الشجرة الهائلة، والتقطت لها بعض الصور، ولاحظت شخصاً يتابعني بنظراته، وعرفت أنه أحد حراس الحديقة، وعند سؤالي عن الشجرة قال: هي شجرة معمّرة عمرها أكثر من ستمئة وخمسين عاماً.
بعد عودتي تذكرت أن هناك شجرة فستق حلبي معمرة في قرية عين التينة (في القلمون) قرب معلولا عمرها أكثر من ثلاثة أضعاف عمر الشجرة التي رأيتها في تونس، ، وتعرف بـ«شجرة العروس» حيث كانت عرائس القرية يخرجن من جوفها في ليلة الزفة، وكان عمر هذه الشجرة نحو ألفي عام، وربما أكثر.
قمت برحلة صغيرة في ريف دمشق قادتني إلى صيدنايا ومعلولا ومن ثم عين التينة، فعرجت على القرية ورحت أسأل عن «شجرة العروس» وكان الفتية يتلقون سؤالي بالدهشة والاستغراب والسخرية أيضاً، فأشار لي أحدهم بأن أسأل رجلاً عجوزا يجلس على كرسي أمام بيته العتيق.
لما دنوت من العجوز وسألته نظر إليّ ملياً وقال: «هو هــو.. وأشار إلى إلى مجموعة من الأشجار وقال: الشجرة كانت هناك.. هي تلك الكومة من الخشب المحروق!»، ويا للدهشة، شجرة عمرها يزيد على ألفي عام نحرقها لإقامة منزل، أو لنتدفأ بها، وشجرة عمرها ستمئة عام يعتنى بها عناية كبيرة.
لكن الطريف الذي حدث بعد ذلك بسنوات قليلة، أنني كنت رئيس تحرير صحيفة «تشرين» عرضت علي الصفحات المعدة للنشر، فوجدت موضوعاً صغيراً مع صورة شجرة عملاقة يتحدث عن«شجرة العروس»، لكن المصيبة أن الصحفي الذي كتب الموضوع يدّعي أنه «سبق صحفي» وأنه زار موقع الشجرة في عين التينة!
طبعا ألغيت نشر الموضوع واستدعيت الصحفي في اليوم التالي الذي حاول أن يشرح لي بعض التفصيلات عن شجرة العروس وجمالها وتاريخها، وأنا أستمع، ثم قلت له: لقد شوقتني، سأتصل بالسائق ونذهب معاً إلى عين التينة، لرؤية تلك الشجرة!
لم يدهش، وقال لي: الآن؟ فأجبته:نعم، فلم يمانع وأبدى استعداده للذهاب معي لمعاينة الشجرة، فأدركت أنه لا يعرف شيئاً عن تلك الشجرة، وأنه حصل على المعلومات بطريقة ما، فأراد الاستسهال والنشر بلا تدقيق ولا بحث، فوقع في الفخ الذي يقع فيه الكثير من الصحفيين الذين يكتبون موضوعات ميدانية وهم خلف المكاتب ومن دون أدنى جهد.
تخيلوا كيف تلون وجه الصحفي عندما أبلغته أن شجرة العروس صارت فحماً منذ سنوات طويلة خلت!
هذه القصة تطرح عشرات الأسئلة، وأترك للقارئ مهمة طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها، وأظن في ذلك متعة وحسرة معاً، نتحسر على الشجر و.. البشر أيضاً!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن