ثقافة وفن

«أحفاد عشتار» تعيدنا إلى زمن الفن الجميل في «الآباء الصغار» .. دريد لحام لـ«الوطن»: الإرادة سيدة المستحيل والأطفال مثلوا أدوارهم بشكل مقنع

| وائل العدس

عندما تمتزج الدموع بالضحكات في مشاهد إنسانية من نسيج خيال بديع في شكله، بسيط في تكوينه، تلقائي في مواقفه، فلابد أننا نشاهد عملاً فنياً للكبير دريد لحام.
في صالة سينما كندي دمشق، عادت مؤسسة «أحفاد عشتار» بنا إلى الوراء، فأعادتنا إلى زمن الفن الجميل، هكذا عرضت فيلم «الآباء الصغار» الذي كتبه وأخرجه الفنان دريد لحام، وأدى فيه دور البطولة إلى جانب القديرة سلمى المصري والممثلة المصرية حنان ترك إضافة إلى الأطفال نور جابر وبدر القيسي وبراء طرقجي ولولوة القادري، وتم إنتاجه قبل 12 عاماً.

علاقة حب
«ودود عبد الرحمن» أب لأربعة أطفال، يحمل الشهادة الثانوية ويعمل مساعداً في الشرطة، وزوجته «رضية» تعمل في فندق لكي تساعده في مواجهة أعباء الحياة، وتحلم أن يستكمل زوجها تعليمه الجامعي حتى يترقى في العمل، وبالفعل يلتحق بالجامعة وعندما ينهي السنة الثالثة تموت الأم إثر مرض خطير، فينقطع راتب الأم ما يضطر الأب لترك الجامعة والعمل كسائق تاكسي إضافة إلى عمله الأساسي.
يتألم الأطفال لتعب أبيهم ليل نهار من أجل لقمة العيش، ويقررون فيما بينهم العمل إضافة إلى دراستهم لتغطية مورد الأم الذي انقطع بوفاتها وينجحون في جمع ثمن الكتب للأب ومصاريف الجامعة، ودعماً لمشروعهم يقرر الأطفال الأربعة الإقامة في غرفة واحدة وتأجير الثانية التي تستأجرها «أمل» وهي فتاة قادمة من مصر في مهمة ثقافية تتعلق بحماية الآثار، يكتشف الأب بالمصادفة كل ما يجري حوله ويقبل العودة للجامعة لتحقيق حلم الأم ووصيتها، وتنشأ علاقة صداقة شفافة بين الأب و«أمل» فيخشى الأطفال أن تحل محل والدتهم ويبذلون الجهد لمنع ذلك، ويشعر الأب و«أمل» بهواجس الأطفال وتستطيع الأخيرة أن تزيل هذه المخاوف وتبدأ معهم علاقة ملأى بالحب.

القيم الحسنة
الفيلم عائلي بامتياز ويقدم في سياقه العام الكثير من المقولات الإنسانية، إضافة إلى الدعوة الصادقة إلى الاهتمام بالأطفال لأنهم المستقبل الحقيقي للوطن.
ويحمل الفيلم في طيفه الجميل بيارق الحلم والأمل ليرسم في النهاية لوحة اجتماعية صادقة تحاكي بألوانها الدافئة الأسرة والمجتمع، ويركز على العمل الجاد والصبر والتصميم وامتلاك الإرادة القوية لتحقيق أحلام الأطفال وضرورة الاهتمام بهم ورعايتهم. ‏
ويرسخ القيم الاجتماعية الحسنة وتعزيز المبادئ والأخلاق الحميدة بالمجتمع بدءاً من الأطفال.
ومن خلال الفيلم حمّل لحام الجميع المسؤولية، حتى الأطفال شعروا أنهم مسؤولون عن استكمال والدهم لدراسته الجامعية، عندما قرروا مساعدته من منطلق رد الجميل له ولأمهم التي طالما حلمت باستكمال زوجها لدراسته، وربما اعتمد على ذاكرته الطفولية لاستنباط الفكرة، وخاصة أنه في سن العاشرة عمل حداداً ليساعد عائلته.
مواضيع الفيلم كانت شاملة لجميع المشاكل الاجتماعية، بدءاً من عمالة الأطفال إلى نقص دخل الموظفين والآثار والبيئة وطرق المحافظة عليها الموجودة، والفرق بين الماضي والحاضر قبيل الأزمة حيث كنا نتمتع بجميع المواصفات التي تدخل الفرح والسعادة إلى قلب المواطن.

الإرادة والمحبة
أكد دريد لحام في حديثه لـ«الوطن» أن الفيلم يدل على أن الإرادة سيدة المستحيل وكيفية أن تكون العائلة متماسكة لتحقيق كامل أحلامها من خلال الإرادة.
وقال لحام: إن سلمى المصري تتعامل مع الفن بحب وتواضع وليس لها متطلبات، ولا ننسى أن أول عمل لها كان فيلم «مقلب في المكسيك»، أما الأخيرة فردت أنها تعلمت منه الالتزام والتواضع والأخلاق وحب العمل.
وكشف أن الأطفال مثلوا أدوارهم بشكل مقنع وعفوي من دون أن أعلمهم أو أوجه لهم ملاحظة واحدة.
بينما بينت المصري أن هدف الفيلم يكمن في إظهار التماسك العائلي من خلال الحب والإرادة التي يقوم بزرعها الأب والأم في عائلتهما، مؤكدة أن الحب والإرادة قادران على صنع المستحيل في جميع الظروف، متمنية أن تكون جميع العائلات أحسن مما كانت عليه في السابق.
وأشارت إلى أن الأم والأب الأكثر تأثيراً في الأولاد في التربية والمحبة، وحسهم بالاعتماد على أنفسهم بعيداً عن الاتكالية، خاصة أنني ربيت شابين وكنت قاسية وحازمة بعض الأوقات لأنني كنت الأم والأب في الوقت نفسه.
أما لولوة القادري التي تدرس حالياً في كلية الطب البشري فقالت: استطاع الفيلم أن يحقق نقلة نوعية في تكوين شخصيتي، رغم بعد الشخصية التي أديتها عن شخصيتي الحقيقية اليوم، والفيلم ذكرنا كيف كانت سورية قبل الحرب.
براء طرقجي الذي يدرس في قسم التقنيات في المعهد العالي للفنون المسرحية شكر دريد لحام الذي وصفه الأب وقال إنه فتح له طريقاً كبيراً لإكمال المشوار في عالم الفن.
بدورها قالت ريما العمري من «أحفاد عشتار» أنه تم اختيار هذا الفيلم لإعطاء فكرة وصورة بأن المحبة والسلام يبنيان الأسرة، ومن خلالهما يتم تجاوز الصعاب.
وتابعت: لأننا اليوم نعيش مرحلة تعافي سورية، أردنا أن نعطي صورة للأطفال أن المحبة داخل الأسرة الواحدة أوصلتنا إلى الهدف المطلوب، مشيرة إلى أنه يتم انتقاء الأفلام بعناية بهدف إيصال رسالة معينة.

أحفاد عشتار
«أحفاد عشتار» مؤسسة ثقافية انطلقت في كانون الثاني 2015، وسميت بهذه التسمية نسبة للآلهة عشتار، آلهة سورية القديمة، آلهة الخصوبة، آلهة المحبة والعطاء.
وتهدف المؤسسة إلى ضمان دور المرأة في كل مراحل بناء الثقافة الجديدة لمرحلة ما بعد الأزمة، وخلق بيئة جديدة لقضية المرأة بعيداً عن الشعارات السياسية القديمة، وهي بيئة تشريعية بالدرجة الأولى تعمل على إيجاد تشريعات ضامنة لقضية المرأة.
كما تدعم كل أشكال تمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتسعى إلى بناء مجتمع بثقافة قائمة على قواعد المساواة والعدالة والتكافل الاجتماعي وتكافؤ الفرص، وإرساء ثقافة مرتبطة بأن حرية الرجل هي من حرية المرأة، وأن العدالة والمساواة قضية مشتركة بين الرجل والمرأة، كما تهدف إلى إزالة الفوارق القانونية والاجتماعية بين الرجل والمرأة، وتعزيز المساواة بالممارسة، على قاعدة الكفاءة والجدارة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن