مجلس الأمن.. أداة استهداف
| عمار عبد الغني
وكأن مجلس الأمن لم يعد لديه أزمة يتدخل فيها سوى سورية، اجتماعات رسمية في نيويورك، وأخرى غير رسمية في السويد، ووصلنا إلى حال لا يكاد يوم يمر خالياً من اجتماع أو اثنين لبحث الوضع في سورية، والمؤسف حقاً أن من يدعو لتلك الاجتماعات هو في أحيان كثيرة «محور الحرب» الذي يحاول من خلال الدعوات المتكررة للمجلس إما لشرعنة العدوان، وإما لإيصال رسائل إدانة للدولة السورية بذرائع واهية لم تعد تنطلي على أحد، وبتنا نخال أن الأمم المتحدة وهيئاتها بمختلف مسمياتها هي للنفخ في نار الأزمة وناطق رسمي باسم التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة.
رغم أن المشهد السياسي في سورية بات واضحاً ولا يحتاج إلى تقديم مشاريع قرارات وإنشاء آليات وعقد اجتماعات بشكل شبه يومي تحت عناوين مختلفة، وإنما يحتاج إلى أن يقوم مجلس الأمن بمهامه بموجب أحكام الميثاق الذي أسس عليه للتصدي لممارسات الدول المتدخلة مباشرة في الحرب على سورية ممثلة بأميركا وتركيا والكيان الصهيوني، ويحتاج أيضاً التصدي للدول الداعمة للإرهاب وللدول التي تفرض إجراءات قسرية بحق الشعب السوري كي لا يصبح ملايين السوريين لاجئين ومهجرين، فلا يمكن بأي حال أن يكون المجلس رهينة بيد حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في جعل هذه المنظمة الدولية منظمة أمم غير متحدة اللهم إلا في انتهاك أحكام الميثاق وغزو الدول والتدخل في شؤونها الداخلية ومحاولة تغيير أنظمة الحكم فيها بالقوة، وشن العدوان تلو الآخر ووأد الشعوب وتدمير حضاراتها، وبالتالي لا يحق لدول الاستعمار القديم الجديد «أخلاقياً» اتخاذ مبادرات حيال سورية بعد عدوانهم عليها.
لقد كان مجلس الأمن مشلولاً من تغول أميركا وصبّ كل حقدها على سورية ولم يستطع الخروج ولو ببيان إدانة للعدوان الأميركي على الرقة، أو العدوان الثلاثي الغاشم أو تقديم مساعدة لملايين السوريين الذين تشردوا في أصقاع الدنيا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، رغم أن المجلس ذاته ذرف دموع التماسيح مئات المرات على عدم قدرته إيصال المساعدات إلى الشعب السوري، مدعياً أن الدولة السورية هي من تعرقل وصولها، وعندما اختفت الذريعة بات «أذن من طين وأخرى من عجين» وتعامى عن كل المجازر التي يرتكبها «محور الحرب»، ما يعني أن المنظمات الدولية التي يفترض أنها وجدت لتدافع عن الشعوب المظلومة وتؤمن الأمن والاستقرار الدوليين، باتت عصاً بيد الأذرع الأخطبوطية للدول الكبرى التي تتحكم بقراراتها وتوجه أصابع الاتهام وفق ما يشتهي ويخدم أجنداتها.
إن سكوت مجلس الأمن عن الاحتلال الأميركي والتركي والإسرائيلي لأراض سورية، وأيضاً عن العدوان الثلاثي الأميركي الفرنسي البريطاني، يعقّد الحل السياسي للأزمة، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما قال: «إن العدوان أضرّ بمحادثات جنيف وصعّب مهمة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا».
في النهاية، وبعد كل ما صدر عن مجلس الأمن تجاه سورية، فإنه يتحوّل بالتدريج إلى قاعة محاكمة لقوى السيطرة والتفرد، ولكن الواضح أيضاً أن إيديولوجيا الهيمنة تفقد آخر ما تبقى لها من منصات ومعاقل سياسية، وتخسر آخر ما تبقى لها من حجج أخلاقية، وإنها تواجه اليوم مأزقاً تاريخياً باعتبارها قوة رجعية تستند إلى تحالف مالي غير مسبوق بين الأسر الخليجية الحاكمة في السعودية وقطر والإمارات وعائلات بوش وكلينتون وترامب في الولايات المتحدة الأميركية، ولوبيات المصالح التي تقود الدولة العميقة في كل من بريطانيا وفرنسا خاصة.
إن سورية التي نجحت في المواجهة العسكرية بعد أن كسرت أسطورة التفوق العسكري الصهيوني الأميركي عبر إسقاط مقاتلة الـ«إف 16» وكذلك صواريخ التوماهوك والكروز «الذكية جداً» وفي السياسة استطاعت عبر بعثتها في الأمم المتحدة أن تفضح كل محاولات النيل من سيادتها، ستسير معهم حتى النهاية، فيما الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يقفز فوقها أو يتجاهلها فهي تفيد بأن سورية تتجه نحو الانتصار بشعبها وجيشها وقيادتها مهما تبدلت أساليب الاستهداف.