بومبيو لن يتأبط شراً
| سامر علي ضاحي
من غير المتوقع أن تخرج زيارة وزير الخارجية الأميركي الجديد جورج بومبيو إلى الشرق الأوسط باختراقات تغير مجرى السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سورية والمنطقة إلا من ناحية محاولة زيادة الضغوط على إيران.
ولعل تزامن محطتي بومبيو في الأردن وكيان الاحتلال الصهيوني مع النيات التي يصر فيها الرئيس الأميركي على سحب قواته من سورية، يشير إلى أن الوزير الأميركي يريد إيصال تطمينات إلى الأردن والكيان الصهيوني بأن الولايات المتحدة لن تتركهم منفردين في مواجهة التمدد الإيراني في سورية، كما يتخوفون، ولن تسمح بامتداد الإرهاب الراديكالي المتقوقع في جنوب غرب سورية خارج الحدود السورية الجنوبية، كما أنها ستواصل مساعي تعكير التوافق الروسي الإيراني التركي في سورية.
ولعل تطمينات رسول ترامب الدبلوماسي الجديد ترتبط بتفاهمات تم تسطيرها في واشنطن خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره ترامب، وجاءت بعد عجز ماكرون عن إقناع ترامب بعدم سحب القوات الأميركية في سورية، وقد تكون تلك التفاهمات متمحورة حول إحلال قوات فرنسية بديلاً عنها وهو ما يلاحظ مؤخراً في الشمال السوري، في ظل صعوبة إحلال قوات عربية كما ترغب السعودية لأن الدول العربية لها مصالحها وتوازناتها الإقليمية وارتباطاتها الدولية التي لا تستطيع في ظلها إرسال أي قوات إلى سورية من دون موافقة دمشق خشية على هذه القوات، ويسري الأمر حتى على السعودية وقطر.
رأينا في هذا الصدد أن فرنسا أوفدت وزير خارجيتها جان إيف لودريان منذ يومين إلى مصر لتعويم هذه التفاهمات وشرحها لدولة إقليمية ذات تأثير مستتر على الأزمة السورية، وقد تكون هناك رغبة فرنسية بإيصال هذه التفاهمات إلى دمشق عبر الوسيط المصري بدلاً من الوسيط الروسي، ولكن هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً، إلا أن ما يرشحه أن القاهرة أعلنت صراحة أن لودريان لم يطلب منها إرسال قوات إلى سورية، وتوازى ذلك مع وصول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علاء الدين بروجردي إلى دمشق ناقلاً مخرجات الاجتماع الوزاري الثلاثي الذي تم في موسكو السبت بين وزراء خارجية موسكو وطهران وأنقرة.
أما عدم السماح لتمدد الإرهاب خارج الجنوب السوري، فإن الولايات المتحدة تعول في هذا الاتجاه على صمود اتفاق خفض التصعيد المسطر بينها وبين الأردن وروسيا في جنوب غرب سورية، لكنها تتخوف أيضاً من أي امتداد للنفوذ الإيراني واقترابه من كيان الاحتلال لما يشكله ذلك من تغيير في قواعد التوازن الإقليمي التي ترسخ الكيان الصهيوني كمتزعم عسكري للشرق الوسط وحليف أول لواشنطن، كما أن الأخيرة لا ترغب بزيادة أوراق التفاوض الخارجية في الجعبة الإيرانية وهي الراغبة بسحب الامتيازات التي أقر بها الاتفاق النووي الشهير بين طهران ومجموعة (5+1).
بالتالي فإن من المتوقع أن يقتصر اللقاء المرتقب لبومبيو مع فصائل الجنوب على محاولة مواساة تلك الفصائل وتطمينها بأن اتفاق الجنوب صامد، رغم ما تراه الأخيرة من حشود عسكرية سورية تتجهز للاتجاه نحوها، وعندها لن يكون بإمكان الولايات المتحدة أن تدعم الميليشيات بأكثر من التصريحات والتنديد والشجب، لأنها إلى اليوم فشلت بإقامة قواعد عسكرية في جنوب غرب سورية مقارنة بنجاحها في الجهة المعاكسة تماماً من البلاد، وبعد الرغبة الترامبية بالانسحاب وقبلها إيقاف دعم الفصائل وتوجيه السعودية بوقف دعم المعارضة من المرجح أن يلين الموقف الأميركي تجاه عمل عسكري سوري في الجنوب لكنه بالتأكيد سيشترط عدم مشاركة قوات إيرانية فيه، كون الولايات المتحدة لا بد لها في النهاية من مراعاة مصلحة الحليف الأردني صاحب المصلحة الحقيقية اليوم بفتح معبر نصيب مع سورية.
كل ما سبق يؤكد أن بومبيو لن يتأبط شراً في زيارته إلى الأردن أو الأراضي المحتلة كما تحلم الفصائل، وإن كانت الإدارة الأميركية ترغب دائماً بزعزعة استقرار سورية لتعكير النفوذ الروسي فيها، إلا أن الأجواء السورية الحالية قد تمهد لتفاوض أميركي روسي جديد يعيد بعض الود إلى العلاقة بين البلدين في ظل ما تشهده من تصعيد.