مناورة التأخير الأميركية
| بيروت – محمد عبيد
منذ بداية الحرب الكونية على سورية، وبعدما اعتقدت القوى الدولية والإقليمية (الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون وأتباعها في المنطقة) الراعية والممولة والمُجَهِزة لهذه الحرب أنها تمكنت في المراحل الأولى منها فرض وقائع ميدانية عبر سيطرة المجموعات المسلحة المرتهنة لتلك القوى أو من خلال تمدد التنظيمات الإرهابية على بعض الأراضي السورية. أخذت هذه القوى برفع شعار أن الحل في سورية «سياسي» وفق الوصفة التقليدية المعتمدة في بعض البلدان العربية التي اجتاحتها موجة ما سمي «الربيع العربي»، التي تبدأ بتنحي رئيس البلاد ومن ثم انهيار بنية النظام الدستورية والسياسية والأمنية والعسكرية وبعدها الدخول في مرحلة انتقالية يتم خلالها تركيب مجموعة من منتحلي صفة «المعارضة الوطنية» وصولاً إلى الإطباق الكامل على مفاصل السلطة ونقل البلد إلى الموقع الإقليمي والإستراتيجي الذي يتماشى مع الأهداف المُبَيتة لتلك الموجة.
لكن هذه القوى الدولية والإقليمية نفسها التي تدعي أنها تعمل للحل السياسي، لم تتوقف يوماً عن استقدام الإرهابيين إلى سورية وتزويدهم بالمال والسلاح والخبرات التقنية العسكرية، إضافة إلى نقل المعارك من منطقة إلى أخرى بهدف تشتيت قوة الجيش العربي السوري وحلفائه واستنزافهم مما يؤدي إلى ضمور دور الدولة وإلى قبول الناس الاضطراري بقوى الأمر الواقع. والأسوأ أن بعض هذه القوى نفد صبره بعدما فقد الثقة بقدرة المجموعات الإرهابية على الصمود في وجه الجيش العربي السوري وحلفائه، فانتقل إلى الخطة «ب» القاضية بتعبئة الفراغ الذي يتركه هروب تلك المجموعات أو استسلامها، من خلال احتلالها المباشر للأراضي السورية وإنشاء قواعد عسكرية وتجنيد مجموعات بديلة بعناوين عرقية ومناطقية كخطوط دفاع متقدمة عن هذه القواعد، وذلك بالترافق مع تصعيد عسكري نوعي يتمثل بشن عدوان صاروخي متكرر على قواعد الجيش العربي السوري ومطاراته.
إذاً، كيف يستوي الحديث عن السعي لإنجاز حل سياسي في الوقت ذاته الذي تقوم فيه واشنطن وحلفاؤها وأتباعها بالإعداد والتجهيز والقيام بحربٍ عدوانية شاملة لا تقتصر على الجانب السوري بل طالت وتطول الحلفاء الروس والإيرانيين وحزب اللـه في أكثر من منطقة سورية، مما يعني أن ذلك الحديث ليس سوى مناورات لإطالة أمد الحرب بهدف الضغط لإنضاج «حل سياسي» يتجاهل المتغيرات الميدانية التي فرضتها الانتصارات التي حققتها سورية وحلفاؤها.
كذلك فإن واشنطن وحلفاءها وأتباعها مجتمعين ومنفردين تبعاً لتوزع مصالحهم واستهدافاتهم يسعون إلى تصفية حساباتهم الدولية والإقليمية مع أطراف المحور الداعم للدولة السورية، انطلاقاً من اعتقادهم أن الحرب التي شنوها على سورية يجب ألا تنتهي بالقبول والتسليم بهزيمتهم وانتصار سورية وحلفائها، ومن ثم صياغة توازنات دولية وإقليمية بناءً على معادلة الهزيمة والانتصار تلك، لأن ذلك يعني تراجع النفوذ الأميركي والغربي عموماً إلى خارج حدود شرق المتوسط وبالمقابل استبداله بتثبيت الحضور العسكري الإستراتيجي والسياسي والاقتصادي الروسي المستجد، وتباعاً إلحاق هزيمة مدوية بكيان العدو الإسرائيلي والنظام السعودي معاً نتيجة تكريس الترابط الجغرافي-السياسي لدول وقوى محور المقاومة بما يتجاوز حدود شرق المتوسط.
اليوم، صار بالإمكان القول إنه لولا الضغوطات السياسية والدبلوماسية التي تمارسها واشنطن على مؤسسات الأمم المتحدة لإبقاء المسار السياسي محصوراً ببيانات جنيف وآلياتها وأطرافها المقابلة للحكومة الشرعية السورية التي تفاوض تحت عنوان «المعارضة»، ولولا الاندفاعات العسكرية الأميركية والغربية المتصاعدة والهادفة إلى خلط الأوراق في الميدان وإبقائه متوتراً ومستنفراً وغير محسوم النتائج، لولا ذلك كله، لكانت الأزمة في سورية على أبواب نهاية تفرض توازناً دولياً وإقليمياً جديداً مبنياً على انتصار موصوف على أخطر الاستهدافات وأغلى التكاليف وأكثر الحروب وحشية التي يمكن أن تُشن على بلد ما، ولكانت هذه النهاية أينعت ثمار نصرٍ مجبول بالتضحية والصمود الأسطوري لجيش وشعب ونظام ورئيس قل نظيرهم ولحلفاء نَدَرَ مثيلهم.
السؤال المطروح الآن: إلى متى ستتمكن واشنطن من المناورة لتأخير إعلان سورية وحلفائها الانتصار النهائي، في وقت يعلن رئيس إدارتها دونالد ترامب يومياً رغبته الشديدة في سحب قوات بلاده المحتلة لأراضٍ سورية، وعلى حين يجري مستشاره للأمن القومي جون بولتون اتصالات ضاغطة مع المسؤولين في القاهرة والرياض والدوحة وأبو ظبي لاستبدال هذه القوات بقوات «عربية»!