«الوطن» تتجول في دوما … قوى الأمن الداخلي أعادت هيبة الدولة لمناطق الغوطة وزرعت المحبة في نفوس أهلها … الحلاج لـ«الوطن»: نشرنا في دوما 600 عنصر شرطة وحفظ نظام وأعدنا مسروقات لأصحابها بـ 200 مليون
| محمد منار حميجو «ت: طارق السعدوني»
لم استغرب حينما شاهدت عدداً من الأطفال يقتربون من أحد رجال الشرطة في مدينة دوما وهم يحاولون ملاعبته والمرح معه إلا أن وجوهم لا تخفي علامات استغرابهم من الزي الذي يلبسه ذلك الشرطي، لدرجة أن أحد الأطفال اقترب منه لكي يلامس بدلته التي يلبسها وكأن هذا الطفل يريد أن يوصل رسالة لكل من يشاهده أنه عاش لمدة سبع سنوات وهو لا يعلم ما معنى كلمة شرطي أو دولة.
ورغم أن الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم العاشرة ابتعدوا عن ذلك الشرطي إلا أنهم ما زالوا ينظرون إليه والاستغراب ارتسم جلياً على وجوههم من مشهد لم يعتادوا على رؤيته، لا أريد أن أستطرد كثيراً عن قصة هؤلاء الأطفال إلا أن حالهم يعبر عن الكثير من جيلهم الذي عاش بعيداً عن ظل الدولة.
واعترضت قوى الأمن الداخلي في اللحظة الأولى لدخولها إلى دوما الكثير من الصعوبات والمفارقات «بحسب ما أكده لنا الضباط» نتيجة الثقافة المرسخة في ذهن الكثير من أهالي المدينة خصوصاً ومناطق الغوطة الشرقية الأخرى عموماً.
عين على دوما
المشاهدات التي رصدتها «الوطن» في شوارع دوما أثناء تجوالها فيها تلخص المشهد الذي عملت عليه الدولة عبر قوى الأمن الداخلي منذ دخولها إلى المدينة والمتمثل بإعادة ثقة الأهالي بالدولة بعد محاولات الإرهابيين زعزعتها بشتى الوسائل وبكل تأكيد هذا النموذج مطبق على المناطق الأخرى.
إقبال من الأهالي كما عايناه على أرض الواقع على قيادة منطقة المدينة لتنظيم الضبوط المختلفة ولا يقف الدور عند هذا الحد فأثناء تجوالنا في المنطقة كان عناصر الأمن الداخلي منتشرين في أماكن الأفران لتسهيل حصول المواطنين على الخبز وفي صالات بيع المواد الغذائية، إضافة إلى الإشراف المباشر على توزيع الغاز بطريقة منتظمة وبسعر الدولة ما سهل حصول عدد كبير من المواطنين عليها.
والأمر الذي وقفنا عنده أن ضابط الشرطة أو حتى العنصر أصبح ملاذاً للكثير من الشاكين في الطرقات فهذا يسأل عن فقدان بطاقته الشخصية وذاك عن بقرته المسروقة وآخر عن فقدان عقد بيته والإجراءات التي يجب أن يتخذها.
الحديث يطول عن مشاهدات «الوطن» والقصص كثيرة فكل شارع تجولنا فيه كان هناك حكاية تروى ومشهد يسرد لا يتسع لنا ذكرها.
هيبة وسيادة القانون
من جهته قال قائد شرطة ريف دمشق عصام الحلاج إن الشرطة لا تدخر جهداً في مسألة تأهيل المواطنين الذي عاشوا في ظل الإرهابيين على طوال السنوات السبع الماضية إلى جانب الوزارات الأخرى المعنية في هذا الموضوع.
وفي تصريح لـ«الوطن» أكد الحلاج حيثما تكن هيبة الدولة وسيادة القانون فسيكون هناك عودة لمن غرر بهم وعن الأفكار التي تسربت إليهم، معتبراً أن هناك دوراً للوزارات المعنية في التعليم والتربية في إعادة المواطنين الذين عاشوا في ظل الإرهابيين إلى وضعهم الطبيعي.
وأضاف الحلاج: نشرنا الدوريات منذ اللحظات الأولى من تحرير مناطق الغوطة للقيام بواجبات الشرطة سواء كانت بوظيفة الضابطة العدلية أو الإدارية وحفظ الأمن وإشاعة الطمأنينة بين المواطنين الذين بقوا في مناطقهم، مؤكداً دعم الوحدات الشرطية بقوات حفظ النظام بأعداد كبيرة.
وكشف الحلاج أنه يوجد في دوما حالياً نحو 600 عنصر منهم 500 من قوات حفظ النظام، مؤكداً أن عدد عناصر الشرطة في المناطق الأخرى يتراوح ما بين 20 إلى 30 عنصراً في كل ناحية من ضباط وصف ضباط وعناصر وبالتالي فإن جميع النواحي مفعلة بالإضافة إلى الدوريات المؤازرة لها للقيام بعملها على أكمل وجه والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.
مسروقات عادت لأصحابها
وكشف الحلاج عن إعادة العديد من المسروقات إلى أصحابها في وقت دخول قوات الأمن الداخلي إلى المنطقة، ضارباً مثلاً أنه تمت إعادة غواطس مياه لأصحابها كان المسلحون استولوا عليها يقدر ثمنها بنحو 200 مليون ليرة.
وأضاف الحلاج: هذه الحادثة كان لها أثر إيجابي على الأهالي، مؤكداً أن هناك مراجعات يومية من المواطنين لمخافر الشرطة الموجودة في المنطقة.
الأرقام تتحدث
وكشفت إحصائيات صادرة عن قيادة شرطة ريف دمشق أن عدد الضبوط المنظمة في مناطق الغوطة بلغت نحو 1460 ضبطاً بمختلف الشكاوى، موضحة أن عددها في دوما بلغ 200 ضبط بينما في حرستا بلغت 600 ضبط.
وأشارت المصادر إلى تنظيم 252 في حران العواميد و157 في النشابية وفي كفر بطنا 115 بينما في عين ترما 70 وأخيراً في عربين 181 ضبطاً.
إعادة الحقوق لأصحابها
وأعلن قائد منطقة دوما العقيد محمد الخليل أن عدد سكان دوما بلغ حالياً 75 ألفاً، مؤكداً أنه خرج من المدينة نحو 19 ألفاً ما بين مسلحين وعائلاتهم.
وفي تصريح لـ«الوطن» أعلن الخليل أنه تم العثور على ألفي سيارة في شوارع دوما ووضعها في كراجات الحجز لإعادتها إلى أصحابها في حال مراجعة قيادة المنطقة، مؤكداً أنه ينظم يومياً نحو 50 ضبطاً خاصاً بالوثائق الضائعة للمواطنين.
وأضاف الخليل أنه يتم تسهيل كل الإجراءات للمواطنين في حال مراجعتهم للمنطقة، مشيراً إلى أن الأمور أصبحت جيدة مع تأقلم الأهالي على وجود الدولة.
وأكد الخليل أن وزارة الداخلية فعلت المنطقة والنواحي التابعة لها مباشرة فور دخول الدولة إلى مناطق الغوطة ومنها دوما، مضيفاً: كنا أول مؤسسة دخلت المدينة.
وأشار الخليل إلى أنه استقبلنا المواطنون بالترحاب الكامل لأن الإرهابيين عاثوا فساداً، موضحاً أنه تم نشر نقاط أمنية مباشرة بعد دخول قوى الأمن الداخلي في المدينة وأطرافها إضافة إلى تسيير الدوريات ليلاً ونهاراً.
وأكد الخليل أنه يتم إجراء مسح عقاري للسكن والشقق المتروكة من أصحابها لمعرفة أسماء أصحابها والحفاظ عليها ومن الذي يقطن فيه وكيفية سكنه هل هي نظامية لمعالجتها حسب الأصول القانونية.
وأشار الخليل إلى أن أي إجراء بيع وشراء تم بفترة وجود الإرهابيين يعتبر ملغىً، كاشفاً عن ورود بعض الحالات لمواطنين أدعوا أنهم يملكون عقارات معينة وحينما تم طلب الوثائق منهم كانوا يبرزون ورقة دفتر عادية
وثقت عليه عملية البيع والشراء ويشهد على العملية شاهدان وانتهى الموضوع وبناء عليها يعتبر الشاري أن العقار أصبح حقاً مكتسباً له.
ولفت الخليل إلى أن هناك الكثير من المواطنين مسحت من ذاكرتهم مؤسسات الدولة فمنهم لا يعرف أن هناك مؤسسة متعلقة بالمصالح العقارية أو مديرية ناحية أو كاتب بالعدل وهذه مشكلة واجهتها قوى الأمن الداخلي في الوهلة الأولى لدخولها إلى المنطقة وبالتالي فإنه تم العمل على تأهيل المواطنين على هذا الموضوع.
وأكد الخليل أن قوى الأمن الداخلي تشرف على الخدمات التي تقدم للمواطنين من صالات بيع المواد الغذائية مروراً بتوزيع الغاز إلى الأفران لتأمين مادة الخبز وغيرها من الأمور الأخرى التي تعمل عليها لتأمين الوسائل الخدمية للأهالي في يسر وسهولة وهذا ما بدأ يستشعر به المواطنون وبالتالي تعزز لديهم الثقة بمؤسسات الدولة التي لم توفر جهداً لتوفير كل ما يحتاجونه.
وأضاف الخليل: رغم الصعوبات التي عانيناها في البدايات إلا أننا لم نتوقف منذ دخولنا للمدينة لنشر الأمان في المدينة وغيرها من النواحي التابعة لها وهذا نهج الوزارة في الغوطة فتوجيهات وزير الداخلية واضحة في هذا الخصوص.
وكشف الخليل أن هناك الكثير من المواطنين قدموا شكاوى بحق الإرهابيين وأنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية في هذا الموضوع باعتبار أن هذه حقوق شخصية متعلقة بالمواطنين ومهمة الدولة حماية هذه الحقوق.
وأوضح الخليل أن أي شكوى يتقدم بها المواطن ندرسها في البداية ومن ثم التحقيق بها بعدها نلاحق المعتدي لإحضاره وإحالته للجهات المختصة، موضحاً فيما يتعلق بالأعمال الإرهابية فإن المواطن الذي اشتكى ينظم له الضبط ومن ثم يتم إجراء الكشف على الموقع لإحالته للمرجع المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية في هذا المجال.
وجالت «الوطن» في مقر قيادة المنطقة واطلعت على الإجراءات المتخذة من عناصر الشرطة مع المواطنين فرغم الصعوبات والبنى التحتية السيئة إلا أنه يتم العمل في وتيرة متسارعة ويتم الترحيب بالمواطنين وتقديم الخدمات التي يحتاجونها وهذا ما ساعد على ازدياد عدد المراجعين بشكل كبير، إضافة إلى تعزيز ثقة الدولة في نفوس هؤلاء الأهالي والتي تزعزعت في مرحلة معينة نتيجة ما تشربوه من أفكار خاطئة.
خلق المحبة والتآلف
وقال المقدم وحيد موسى نائب قائد المنطقة: إن الشرطة مهمتها خلق المحبة والمودة والتآلف بين الأهالي وهذا ما عملنا عليه ومساعدة المواطنين، مؤكدا أن الشرطة هدفها تأمين المواطن والحفاظ على أملاك المواطنين، إضافة إلى الأخذ بيد المواطن باتجاه تحقيق العدل حمايته من أي اعتداء.
وفي تصريح لـ«الوطن» أكد موسى أن رجل الشرطة أصبح نقطة وصمام الأمان للمواطنين وحماية لهم من أي اعتداء، مؤكداً أنه يتم العمل بكل الطاقات لنشر الأمان وحماية المواطنين.
للحواجز دور
وأكد النقيب محمد شاهين وهو مسؤول عن أحد الحواجز أن الأهالي وجدوا تعامل قوى الأمن الداخلي غير الصورة التي رسمها الإرهابيون في عقولهم من ناحية تقديم الخدمات وحماية ممتلكاتهم وتحقيق طلباتهم، إضافة إلى تأمين المواد الأساسية التي كانت غير موجودة عندهم في الأصل.
وفي تصريح لـ«الوطن» أضاف شاهين: الكثير من الأهالي كانوا يخافون من حواجزنا للوهلة الأولى بعد أيام قليلة جدا اختلفت الصورة بشكل جذري وأصبح المواطن يمر من أمام الحاجز مرتاحاً لدرجة أنها أصبحت ملجأ للمواطنين في تقديم الشكاوى وغيرها من الأمور الخدمية التي يحتاجونها.
ولفت شاهين إلى أن المشاكل خفت كثيرا مقارنة في الفترة الأولى لدخول قوى الأمن الداخلي وأصبح هناك ارتياح كبير من المواطنين وتعززت الثقة في نفوس المواطنين تجاه مؤسسات الدولة.
من جهته أكد الملازم أول محمد غازي محمد أنه تم سحب السيارات مجهولة الهوية ووضعها في كراجات الحجز حتى يتسنى معرفة أصحابها وتنظيم الضبوط بها، موضحاً أنه يتم اتخاذ هذه الإجراءات لمعرفة السيارات المسروقة والبحث عن أصحابها.
وفي تصريح لـ«الوطن» أشار محمد إلى أن هناك العديد من المواطنين راجعوا المخفر للتعرف على سياراتهم، مبيناً أن هناك بعض السيارات تم بيعها وشراؤها وفق عقود غير مثبتة في القضاء وبالتالي فإن القضاء هو الذي يفصل بها وأن هذه السيارات سيتم الحفاظ عليها إلى أن يصدر الحكم القضائي فيها.