إيران وإسرائيل واحتمالات الحرب
| عبد المنعم علي عيسى
ربما تكون تل أبيب قد دخلت في طور المحظور النفسي الشديد الأهمية في تأثيراته في مجتمع لم تتشكل فيه مشاعر الانتماء بعد، فسبعين عاما بهذي المقاييس هي غمضة عين وليس أكثر، ولا استقرت في أعماقه مشاعر تمسكه بالأرض، وهو لذلك لم يقم بحرق مراكبه التي أقلته من البلاد التي قدم منها، بل ظل يصونها ويصر على دوام جاهزيتها تحسباً ليوم يراه قادماً لا محالة، والمؤكد أن ذلك كله يقع في صلب تفكير صانع القرار السياسي الإسرائيلي على مر المراحل، الأمر الذي يفسر حساسية الردود التي تخرج عنه جراء تهديدات صوبت إليه أو إلى شارعه، فهو يدرك أن أي خلل يصيب تركيبة العلاقة بين هذا الأخير ومؤسسته العسكرية تحديدا، من شأنها زعزعة ثقة الأول بالأخير فذاك أمر يصيب جسد الكيان بشروخ يصعب ترميمها، وإن حدث فان العملية ستترك ندبات لا يمكن محوها، وهذي الإشكالية هي التي جعلت أمر العمليات اليومي الذي يتلقاه الجيش ينص على تأكيد القدرة في الدفاع عن الكيان، بل يجد الكيان نفسه مضطرا إلى تقديم دليل يومي على أنه لا يزال على قيود الجغرافيا والتاريخ.
برزت إسقاطات هذي الصورة الأخيرة بشكل فاقع عبر سيل التهديدات الإيرانية التي وجهها قادة إيرانيون إلى تل أبيب في أعقاب استهداف مطار التيفور، ووصلت حدود محوها من الوجود، وكذا عبر الردود الواجفة أو التي يشعر المتلقي عبرها بالقشعريرة التي تنتاب صاحب الرد الذي أحس بأن الألم قد وصل بحيرة الألم العظمى، لكن الخطورة هنا التي يدركها هؤلاء تكمن في أن يتلمس الجمهور تلك الحالة فيسارع في وضع اللمسات الأخيرة على المراكب.
في خطبة يوم الجمعة 20 نيسان الماضي قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي: «الأيادي على الزناد وصواريخنا جاهزة للإطلاق، أنتم محاصرون وتعيشون في فم الثعبان، لا تعقدوا آمالاً على أميركا أو بريطانيا لن يبقى لكم أثر عندما يصلون إليكم، في حال اندلاع حرب كونوا على يقين أنها ستؤدي إلى محوكم»، هذا الخطاب الناري من شأنه سريعاً أن يعطي النتائج النفسية المرجوة منه، إلا أنه سيف ذو حدين والأهداف التي يسعى لها، وهو بالتأكيد يهدف إلى ردع إسرائيل عن التفكير بالحرب، لا تساوي بحال من الأحوال النتائج التي يمكن أن تترتب عليه، فالمنطقة عاشت هذه التجربة مرتين كانت النتيجة في كليهما كارثية، الأولى قبيل حرب حزيران سواء أكان هناك من هدد برمي إسرائيل في البحر كما أشيع أو لم يكن كما تأكد، فتل أبيب استطاعت تسويق الأمر على أنه هو الواقع، ويمثل عمق النوايا العربية، والثانية في أعقاب الغزو العراقي للكويت 1990، وفي كلتا الحالتين كان الخطاب إعلامياً، وهو لم يؤد إلا إلى صدمة فاجعة في المعسكر العربي، لكنه أدى إلى النتيجة النقيضة في المعسكر الإسرائيلي، كان من نتائجها تزايد القوة الإسرائيلية إلى أضعاف مما كانت عليه جراء الدعم النوعي والكمي الذي حصلت إسرائيل عليه من الغرب.
في ظل التصعيد الحاصل بين تل أبيب وطهران يبرز سؤال مهم يجب أن تفضي إجابته إلى تحديد كفة من الراجحة بين قيام الحرب من عدمها، وفي ظل حالة الانكفاء الأميركية العامة وابتعاد واشنطن عن اعتماد الحلول العسكرية يبرز سؤال أهم هو: هل تستطيع تل أبيب أن تخوض حربا ضد إيران بمفردها؟ ثم ما احتمالات نشوب حرب إيرانية إسرائيلية في هذه المرحلة؟
في معرض الإجابة على التساؤلات السابقة لا بد من القول: إن تل أبيب لو كانت تملك القدرات التقنية والتكنولوجية لتكرار سيناريو قصف مفاعل تموز العراقي عام 1981 لما ترددت بعد مرور ثلاثة عشر عاما على إعلان طهران تخصيب اليورانيوم، فالعوائق تبدو عديدة ولا يبدو أن التدريبات التي أجراها سلاح الجو الإسرائيلي في العديد من الدول قد جاءت بحلول مرضية، ثم إن البرنامج النووي الإيراني يتوزع في مدن عديدة ما يجعل من استهدافها كلها أمراً مستحيلاً، وفي حال الفشل فان التكاليف باهظة وهي ستجعل طهران في حل من التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، لتتسارع الخطوات نحو إنتاج يورانيوم مخصب فوق 20 بالمئة، إضافة إلى أن النتائج التي أظهرها أداء القبة الحديدية في السعودية وكذا منظومة «ثاد» كانت غير مرضية حتى في ظل التصدي لصاروخ واحد أو على الأكثر لثلاثة فكيف الأمر إذا ما انهالت عشرات الصواريخ دفعة واحدة وهي بالتأكيد أكثر تطورا ودقة.
مما سبق يتأكد أن الحرب إذا ما حدثت فستكون حالة احتياج أميركية غربية يشارك فيها العديد من الدول بشكل مباشر وليس عبر الدعم اللوجستي والمعنوي فحسب، وبهذا المعنى الأخير يمكن أن نفسر توصيف «التايمز» البريطانية للحرب القادمة بين إسرائيل وإيران حين قالت: إنها ستعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد.