سورية

تركيا تنام على سلسلة هجمات تستهدف القنصلية الأميركية ومراكز شرطة باسطنبول ومجموعة يسارية متشددة تزيد طين أردوغان «بلة»

رغم استمرار مشاغباته الإقليمية وحتى تجاه حلفائه، يتعمق مأزق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر فأكثر مع توالي الانتكاسات التي بات يمنى بها بشكل يومي، فلم يكن أولها خسارة حزبه «العدالة والتنمية» الأغلبية في الانتخابات البرلمانية الماضية، ولن يكون آخرها مزاجاً عالمياً يبدو أنه ميال باتجاه تبريد وحلحلة الملفات الساخنة والمعقدة وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط بملفاتها الممتدة من اليمن مروراً بسورية وصولاً إلى أوكرانيا.
وأمام هذا السيناريو الآخذ بالتشكل -ولو ببطء- يظهر أردوغان الخاسر الأكبر لجميع رهاناته السابقة فناخبه التركي لم يجلسه على رأس نظام رئاسي في تركيا، ولم ينهزم الجيش والقيادة السورية بل أسقطوا حلمه بتعويم نموذج «إسلام العدالة والتنمية» في المنطقة.
ورقة أردوغان أو طوق النجاة الأخير الذي استعمله بإطلاقه «الحرب المزدوجة» ضد حزب العمال الكردستاني، وبدرجة أقل ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسورية، لا يظهر أنها تحقق له الكثير من المكاسب لتغيير عدد ممثليه في البرلمان فيما لو أعاد الانتخابات، رغم اهتزاز شعبية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ولو بشكل نسبي.
فتوجّه الرئيس التركي بنظره من جديد للحسابات الإقليمية -وبسطحية كعادته- فراهن على مشاغبات جديدة بالإعلان أن حربه ضد داعش تهدف لإقامة ما يسميه «منطقة آمنة» شمال سورية مراهناً على أنها ستكون ملجأ المجموعات المسلحة، ولكن اصطدم بحاجز حليفته جبهة النصرة ذراع القاعدة في سورية والتي لطالما سعى مع واشنطن لتبييض صفحتها، فأسقط ورقتها هي الأخرى لتنسحب بالأمس من مقراتها في حلب لحساب الجبهة الشامية، ولكن ورغم كل محاولاته المستميتة لا يبدو أن الرياح ستجري بما تشتهي سفنه فالحراك الدبلوماسي في المنطقة ينشط أكثر فأكثر حتى بات الحديث عن طرح مبادرة من هذا الطرف أو ذاك لإيجاد حل سياسي للأزمة في سورية هو أمراً معتاداً وليس بحدث جديد.
فإذا ما وضعنا هذه الزخم الدبلوماسي وكثرة المبادرات في معادلة مخرجها الوحيد «تحالف ضد الإرهاب يبدأ بتوليفة إقليمية لتبريد الأجواء الإيرانية السعودية لينتهي بمباركة روسية أميركية»، نجد أن رهان أردوغان سواء على الجبهة الشامية أو النصرة أو غيرها هو رهان على أطراف إرهابية لن تكون بعيدة عن استهداف التحالف فيما لو أقيم، وبالتالي فحلم «الآمنة» لن يعطيه كرت قوة في جولات المفاوضات الإقليمية والدولية التي لا تبدو بعيدة.
وبين الداخل السياسي والإقليم، لم يكن ينقص مشهد أردوغان المتأزم سوى «مصيبة» ألا تكون داعش وجماعات إسلامية متشددة اعتاد دعمها أو متمردون أكراد هي الأطراف الإرهابية الوحيدة التي تستهدف الأمن في تركيا، لينغص منامه ليل الأحد أصوات تفجيرات واستهداف لرجال الشرطة إضافة لاستهداف القنصلية الأميركية في أسطنبول، ولكن على يد مجموعة يسارية متشددة تتبنى الهجوم على القنصلية، فيما نسب الهجومان الآخران إلى المتمردين الأكراد.
وبعيد منتصف ليل الأحد الاثنين استهدف هجوم انتحاري بسيارة مفخخة مركز شرطة في حي سلطان بيلي على الضفة الآسيوية للبوسفور في اسطنبول، وأصيب عشرة أشخاص بجروح من بينهم ثلاثة شرطيين، بحسب بيان لمكتب المحافظ.
ولاحقاً وقعت مواجهات بين المهاجمين والشرطة استمرت طوال الليل. وقتل ناشطان في المواجهات، إلى جانب الانتحاري، بحسب المصدر نفسه.
ونقلت التلفزيونات صور الشرطيين يحتمون بجدران وآلياتهم المدرعة ويتبادلون إطلاق النار مع المهاجمين.
وأصيب رئيس قسم المتفجرات في الشرطة بيازيد تشيكين في المواجهات وتوفي في المستشفى متأثراً بجروحه، وفق المصدر.
وفي موازاة ذلك، فتحت امرأتان صباح أمس الاثنين النار على القنصلية الأميركية التي تخضع لحراسة مشددة في حي ايستينيه الهادئ في ضواحي اسطنبول، وفق ما نقلت قناتا «سي إن إن -تورك» و«إن تي في». وأوقفت الشرطة إحدى المهاجمتين بعد إصابتها، بحسب مكتب المحافظ. وأعلنت وكالة أنباء الأناضول أن المهاجمة الفارة هي خديجة اشيك البالغة 42 عاماً والناشطة في «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري».
وأكدت الجبهة هوية المرأة على موقعها وهي اشيك وتوعدت «باستمرار الكفاح حتى رحيل الامبريالية وعملائها من بلادنا وتحرير كل شبر من أراضينا من القواعد الأميركية».
وتبنت هذه المجموعة المتطرفة في العام 2013 هجوماً انتحارياً على السفارة الأميركية في أنقرة أدى إلى مقتل عنصر أمني تركي، وتعتبرها السلطات مقربة من حزب العمال الكردستاني.
وأكدت القنصلية الأميركية وقوع «حادث أمني» وأعلنت أنها ستبقي أبوابها مغلقة أمام العامة حتى إشعار آخر.
وكان مسؤول تركي رفض الكشف عن اسمه أفاد وكالة «فرانس برس» للأنباء أن «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» مسؤولة عن الهجوم، كما اتهم التمرد الكردي بمهاجمة مركز الشرطة.
وسط هذه الأجواء الفائقة التوتر قتل أربعة عناصر من الشرطة في انفجار عبوة وضعت بجانب طريق في منطقة سيلوبي، في محافظة شرناك الحدودية مع سورية والعراق (جنوب شرق) بحسب وكالة «دوغان». ونسبت وسائل الإعلام المحلية الهجوم إلى متمردي حزب العمال الكردستاني.
وفي حادث منفصل، قتل جندي تركي في هجوم بقاذفة صواريخ شنه متمردون أكراد واستهدف طوافة عسكرية أثناء نقلها عسكريين في منطقة بيت الشباب في شرناك، بحسب دوغان.
وأعلنت أنقرة في الرابع والعشرين من تموز الماضي «الحرب على الإرهاب» مستهدفة في الوقت ذاته حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش.
إلا أن الغارات الجوية تستهدف بشكل خاص مواقع لحزب العمال الكردستاني، ولم تسجل رسمياً حتى الآن سوى ثلاث غارات على مواقع داعش الإرهابي في سورية. وأكدت وكالة أنباء الأناضول الأحد مقتل 390 مقاتلاً في حزب العمال الكردستاني وإصابة 400 في تركيا وشمال العراق جراء القصف التركي المستمر منذ أسبوعين على مواقعه.
وقطع التمرد الكردي من جهته هدنة معلنة من طرف واحد تعود إلى 2013 واستأنف هجماته على قوى الأمن التركية التي أدت إلى 28 قتيلاً بحسب إحصاء لفرانس برس.
واعتبر المسؤول الكبير في حزب العمال الكردستاني جميل بايك أمس الاثنين لـ«البي بي سي»، «أن تركيا تحاول حماية تنظيم داعش عبر محاربة عدوه اللدود حزب العمال الكردستاني».
وقال: «إنهم يفعلون ذلك لإضعاف كفاح حزب العمال الكردستاني ضد داعش. تركيا تحمي هذا التنظيم».
وتعهدت الحكومة التركية ببدء الغارات ضد داعش في سورية إلى جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي بدأت قواتها فعلياً بالوصول إلى قاعدة إنجرليك الجوية في جنوب تركيا لاستخدامها في الحرب ضد الإرهابيين.
ونشرت الولايات المتحدة الأحد للمرة الأولى طائرات قتال إف-16 ونحو 300 عسكري في قاعدة إنجرليك.
وكانت تركيا العضو في الحلف الأطلسي رفضت حتى وقت قريب المشاركة الفاعلة في أنشطة الائتلاف ضد داعش خشية تسهيل تقدم وحدات حماية الشعب في سورية الذين يقاتلون داعش قرب حدودها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن