من دفتر الوطن

الصديق المنقلب

| حسن م. يوسف

في صدر شبابي كنت أستخف بأبيات الشاعر القاضي بن معروف: «احذر عدوك مرة/ واحذر صديقك ألف مرة/ فلربما انقلب الصديق/ فكان أعلم بالمضرة» إذ كنت أعتقد أن الصديق الحقيقي لا يمكن أن ينقلب، إلا إذا قلبه الموت، وإذا ما انقلب، فلا بد أن ينقلب لأجل صديقه لا عليه. غير أن الحرب الضارية التي تشنها الفاشية على وطني الحبيب سورية، جعلتني أشرب من كأس (الانقلاب) المر هذا، فـ(الصديق) العتيق الذي كان يمتدحني بما ليس في شخصي، انقلب عليَّ وراح يذمني بما ليس في شخصي.
أعترف لكم أنني قد فعلت لأجل ذلك (الصديق اليساري) أشياء، لم أفعلها لنفسي، ولا لأي من أفراد أسرتي الأعزاء، ولا فضل لي في ذلك، لأنني فعلت ما فعلته لقناعتي بأن ذلك من واجب الصديق تجاه صديقه.
من فضل الصحافة عليَّ أنها ساعدتني على تجاوز ضعف طبيعتي الحالمة، فصرت واقعياً في نظرتي للأمور من دون التخلي عن أحلامي، وهذا ما مكنني من اكتشاف تركيبة مجتمعنا وطبيعة قواه الحية. وقبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر سميراميس عام 2011، صارحت ذلك (الصديق المنقلب)، بأن اليسار السوري كحفنة الزيت على وجه البرميل، عمقه الاجتماعي محدود، وأن القوى الظلامة تريد استخدامه كقناع مقبول للوصول إلى غاياتها المرفوضة.
إلا أنه لم يسمع كلامي وبدأ يشكك بي، فكتبت له ما يلي حرفياً أواخر عام 2011:
«أحيطك علماً أن ولائي الثابت والأساس كان دائماً للخير السوري العام، وموقفي من كل شيء كان ولا يزال وسيبقى ما بقيت، يتوقف على مدى خدمته لذلك الخير وتأثيره عليه أو فيه»…. «وهاأنذا أعلن مجدداً أنني أريد الحرية والكرامة لسورية وشعبها، وأنا بضعة منه، لكنني مستعد لأن أقذف بأي شيء من شأنه أن يفتت سورية، إلى الجحيم، بما في ذلك كرامتي وحريتي وحياتي أيضاً. لقد كان واضحاً بالنسبة لي منذ البداية، أن قوى الظلام تخطط لركوب عربة الفجر، وأن هذا (الحراك)، الذي انقلب عنفاً، لأسباب عديدة، من شأنه أن يأخذ بلدنا إلى واحد من جحيمين؛ جحيم الحرب الأهلية والتقسيم، أو جحيم الاحتلال الأجنبي الذي رأينا «حريته وديموقراطيته» في العراق وقد أنتجت مليون شهيد وثلاثة ملايين أرملة وأربعة ملايين يتيم وسبعة ملايين لاجئ».
وقد حدث ما تنبأت به خلال السنوات السبع الماضية، مع بعض الفروقات في التفاصيل.
يومها لم يرد ذلك (الصديق المنقلب) على رسالتي، بل تابع الافتراء عليَّ فيما تابعت أنا تجاهل تعليقاته السامة على الفيسبوك. إلا أنني لم أستطع الاستمرار في تجاهله عندما وصف موقفي بأنه «… أسوأ من مذبحة»! لذا حظرته على أمل أن يحل عني.
خلال الأسبوع الماضي اكتشف أحد مستخدمي الفيسبوك صورة قديمة، على صفحتي، تجمعني بذلك (الصديق المنقلب) فكتب يستغرب موقفي ويبلغني أن ذلك (الصديق المنقلب) يزور صفحتي باسم آخر ويكتب على صفحته تعليقات مسيئة لي! بينما أنا أحتفظ بصورة له على صفحتي! أجبته إن الماضي ملك لنفسه وأنا لا أحب اللعب فيه، فما كان من ذلك الشخص إلا أن جمع كل ألسنة الحال التي كتبها ذاك (الصديق المنقلب) عني وأرسلها إلي! وقد أذهلتني تلك التعليقات حقاً، لأن فيها من السم ما يكفي لقتل كل ما في العالم من فيلة!
أعترف أن ليلتي كانت عصيبة يومذاك، ففي الصباح نهضت من السرير بصعوبة، لأن جسمي كان مرضوضاً، وكل ما فيه كان يؤلمني كما لو أني قد خرجت لتوي من حفلة استقبال بالعصي في باحة أحد السجون!
الغريب في الأمر هو أنني، رغم آلامي الجسدية والنفسية، لم أشعر بأي ضغينة تجاه ذلك (الصديق المنقلب) رغم سمومه الفتاكة التي هدت جسدي ورضت روحي، والأغرب من ذلك هو أنني شعرت بالشفقة عليه! إذ قلت في سري:
«مسكين من يعيش بقوة الكراهية… تجوز عليه الشفقة»!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن