ثقافة وفن

أحب الألوان القوية الفاتحة لأنها تحتوي على الفرح والسعادة … الفنان الجريح فادي كيوان لـ«الوطن»: أرسم قبل إصابتي أما الآن فقد تفرغت للرسم كل وقتي

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

ما من شيء يضاهي تضحياته، وليس هناك من شكر يوازي عطاءاته، فهو الجندي الذي ضحى بنفسه لنعيش نحن، وقدم روحه لنحيا نحن، ووهب جسده لنبقى نحن، وهو الشهيد الذي ارتقى والجريح الذي ضحى فلكل منهما التحية والإجلال والوقار..
وهذا هو الفنان الجريح فادي كيوان الذي فقد قدرته على المشي وأصبح بسبب هذه الحرب مقعداً، ولكن هيهات أن يوقف ذلك عطاءه أو يسلب ضحكته التي لم تغادر وجهه، أو يشل قلمه وريشته التي لم تفارق يده، لذلك نراه اليوم رساماً يضع لوحاته على مجموعة قصصية للشاعر والكاتب محمد منذر زريق موجهة للطفولة بألسنة العصافير والتي كان قد كتبها عام 2012، وتتحدث عن الجرح السوري النازف وكتبها من دموع وروح وأمل لتبصر النور برسوم الفنان البطل فادي في ولادة شهدها المركز الثقافي العربي بأبو رمانة.
حيث قدمت صالة (أدونيا) والقائمون عليها المتمثلون بالسيد بلال تركماني، والفنان أيمن الدقر، والمهندسة أمان حاج موسى منحى ونهجاً إنسانياً رائعاً ليس آخره حالة الجريح العسكري يونس السيد، لنرى اليوم الحالة الأخرى المتمثلة بالجريح فادي كيوان، لتكمل طريقها في دعم جرحى الجيش العربي السوري والصالة في حالة استعداد كامل لتبني المواهب المختلفة وإنجازها ومتابعتها.

لا تقفوا عند إصاباتكم
ويقول الفنان الجريح فادي كيوان: «لم تسعني الفرحة عند رؤية هذا الاهتمام الكبير الذي أحطتموني به وأشكر صالة (أدونيا) التي أعطتني هذه الفرصة، وهنا أتحدث باسمي وباسم الجرحى في الجيش العربي السوري وأقول لهم ألا يقفوا عند إصاباتهم لأن الحياة لم تنته ومهما كبرت جروحنا وكانت بليغة يجب علينا النهوض والعودة من جديد لأن الباب الذي أغلق بإمكاننا فتح غيره أبواب كثيرة، ومشاركتي اليوم كانت من خلال رسومات لقصة للأطفال تتحدث عن سورية بلسان الطيور وفصول الأزمة التي مرت علينا راجين الله أن تنتهي ويعم الأمان والسلام في بلدي».
وأضاف كيوان: «إنني فكرت بداية أنها مجرد قصة ورسومات ولكن عندما جئت إلى حفل التوقيع فوجئت بالناس وحجم الاهتمام الذي غمروني به وهذا ما أسعدني جداً، وفي الحقيقة كنت أرسم قبل إصابتي ولكن الآن قيدت حيث كنت أرسم لوحات بحجم أكبر وأجلس ساعات أطول في محترفي ربما أكثر من نصف يوم، أما الآن فقد تغير الوضع الصحي ولا استطيع الجلوس لأكثر من ساعة».
وبين كيوان: «هذه القصة موجهة للأطفال والطفل يحب الألوان القوية الفاتحة التي تحتوي على الفرح ومن ذلك اخترت ألواني مثل الأزرق والأحمر والأخضر هذه الألوان التي تدخل السعادة إلى قلب الطفل».
يقدم الجمال ويدافع عنه

وبدوره قال الكاتب والشاعر محمد منذر زريق: «إن هذه القصة كتبتها بعنوان (بابا مونه)، ولم أكن أتوقع يوماً أنها ستكون بهذ الشكل الرائع كما رسمها الفنان فادي كيوان وهو بطل من أبطال الجيش العربي السوري وتعرض لإصابة بالغة في الزبداني سنة 2015 سببت له إعاقة كبيرة، ولكن موهبته وإصراره وتمسكه بالحياة دفعه إلى الاستمرار في الرسم وإكمال طريق موهبته بشكل أكبر، وكتبتها في عام 2012 عن بلدي سورية وعن الظروف السيئة التي مرت بها وهي موجهة للأطفال وتدور على ألسنة العصافير، وغايتها إعطاء الأمل والتمسك بالتراب والوطن، وعندما قرأها فادي وقام برسمها بشكل جميل ومن ثم تم إصدار هذه القصة بالشكل الذي نراه، وبالطبع شرف لي العمل مع جريح من أبطال الجيش العربي السوري ومع شهيد حيّ».
وأفاد زريق: «الطفل يتعامل مع الصورة ويتأثر بها بشكل كبير ولو كانت الكلمة تنقل الصورة إلا أن الصورة واللوحة والرسم من شأنها إعطاء فضاءات عالية جداً من الخيال والجمال والمتعة البصرية التي تساعد الطفل على القراءة، ورسالتي اليوم للوطن وللأطفال الذين يشكلون سورية وللمقاتل الإنسان الجميل الذي يحمل بندقية بيده وبيده الأخرى يحمل قلماً وفرشاة ليقدم الجمال والإبداع ويدافع عنه».

الإصرار على الحياة
ويتحدث الفنان أيمن الدقر عن حالة فادي ويقول: «نحن القائمين على صالة «أدونيا» اكتشفنا حالة الجريح الموهوب فادي كيوان الذي أصيب في وادي بردى إصابة بليغة، وسافرنا إلى قريته في مدينة السويداء، وشاهدنا أعماله الفنية وأعجبنا به جداً وكان تركيزي على مجال تخصصي وهو الفنون الجميلة، حينها شعرت أن فادي أقرب إلى الاتجاه نحو رسوم الأطفال وتحدثت معه مطولاً في ذلك، لأن ألوانه جميلة ومشرقة وبراقة، وفوجئنا بحالته حيث كيف لمقعد أن يرى الحياة جميلة بهذه الطريقة، هذا الإصرار على الحياة عجيب حقاً ونتمنى أن يتمتع كل الجرحى بهذه الحالة والروح والإحساس المفعم بالحياة على الرغم من هول الإصابة، وبعد عودتنا إلى دمشق تواصلت مع الصديق الشاعر والكاتب محمد منذر زريق وطلبت منه تقديم قصة للأطفال وبالفعل أهدانا قصة وقمنا بإرسالها إلى فادي الذي رسمها بطريقة فاجئتنا جميعاً، الأمر الذي دفعنا إلى طباعة القصة وإقامة حفل توقيع لها».
وأضاف الدقر: «ضمن نهجنا في صالة «أدونيا» نقوم بدعم جرحى الجيش السوري في أي حالة كانت وذلك ليس مقتصراً على الفنون الجميلة بل يمكن أن يكون قصة مسرح أو سينما أو شعر وأدب وموسيقا، لأننا لا نرى مهمتنا هي فقط عرض اللوحات وإقامة المعارض، فنحن أولاد هذا البلد وهناك من جرح ومنهم من توقف عن العمل بسبب الدفاع عن بلده وفي المستقبل لدينا المزيد من المشاريع القادمة».

رسالتنا هي دعم المواهب
وكشفت المهندسة أمان حاج موسى عن النهج الذي تتبعه صالة (أدونيا) في اكتشاف ودعم مواهب الشبيبة حيث قالت: «إن الصالة تقوم بصقل مواهب الشبيبة والأطفال وكذلك فإن شريحة الجرحى أصبحت كبيرة في مجتمعنا، لذلك فإن الصالة اتخذت خطاً في سيرها وهو صقل مواهب الطفل والمواهب الشابة وبمن فيهم الجرحى، والصقل هو وضع الموهبة في مكانها الصحيح، ومثلما صادفنا حالة فادي ونتج عن هذه الحالة قصة للطفولة نحن كذلك بحاجة إلى هذا الحدث الثقافي لأن رسالتنا هي دعم المواهب بشكل عام».
وبينت موسى: «هدفنا هو وضع صاحب الموهبة على أول الطريق ليتابع مسيرته ونحن نركز هنا على الطفولة لأن الأطفال هم الشريحة التي ظلمت في الحرب، وقسم كبير منهم أبعد عن المدارس ونتيجة الحرب أيضاً نسوا طفولتهم، لذلك وجدنا أنه من الجميل ملء وقت فراغهم بقصة مفيدة، ونحن في (أدونيا) نرحب بأي حالة مشابهة لنكون داعمين للموهبة وتبنيها وإنجازها، وأيضاً متابعين معهم وإذا ما عدنا إلى حالة الفنان الجريح يونس السيد فنحن لم ننته وهناك المزيد من المشاريع المشتركة بيننا».

تحويل المعاناة إلى حالة فنية
ومن الفنانين التشكيليين الذين حضروا وأثنوا على هذه الظاهرة الفنية الفنان بديع جحجاح الذي قال: «انتقل اليوم من معرض كان في المتحف الوطني اسمه (سورية جسر المحبة)، وآتي اليوم إلى المحبة نفسها وكيف يقدم هذا العسكري جسده كاملاً فداء للوطن ويحول المعاناة وهذه الإصابة إلى حالة فنية، وكيف استطاع رسم مجموعة قصصية للكاتب محمد منذر زريق وحولها إلى منظومة فهم مختلفة لتكوّن روابط الكلمات مع عالم اللون وتشكل جسراً من المحبة جميلاً ومختلفاً، وبدوري أشجعه وأقول لكل إنسان أثرت فيه الحرب وخاصة مصابي الحرب أو الجيش ألا يستسلموا لإصاباتهم، وأن يكون لديهم إيمان وقدرة ليخلقوا من جديد لأن كل الأشياء التي لا تكسرنا في النتيجة تقوينا، لذلك هي ولادة جديدة مختلفة ونحن قادرون على أن نعيد صياغتها بلغة جميلة وودودة مملوءة بالطاقة والحب لأن الوطن يستحقنا بكل حالاتنا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن