توثيق النص الدرامي التلفزيوني وجمع منجزه المكتوب
| سارة سلامة
«إن الوحدة الأساسية للنمط الدرامي للاتصال في المسرح وفي وسائل الإعلام الجماهيرية كالسينما والتلفزيون والراديو تبدو لي حقيقة ناصعة وتستحق النقاش».
هذا ما قاله مارتن إسلن في كتابه (تشريح الدراما)، وهنا كانت البداية التي افتتح بها كتاب(التلفزيون والكتابة الدرامية) لمؤلفه عماد نداف الصادر حديثاً ضمن سلسلة (مسارات فنية) عن الهيئة السورية للكتاب، الذي بحث فيه بدايات نشوء التلفزيون العربي السوري، وتطور عملية الكتابة الدرامية له منذ بدأ هذا الفن في رسم خطواته الأولى وحتى اليوم، ويتألف الكتاب من ثمانية فصول ويقع في 176 صفحة من القطع الكبير.
ويقدم هذا الكتاب إضافة توثيقية على صعيد النص الدرامي التلفزيوني، وخاصة أن هذا الفن من الكتابة لم يجد حتى الآن من يوثقه، ويجمع منجزه المكتوب منذ أن نشأت الدراما التلفزيونية السورية مع نشوء التلفزيون العربي السوري عام 1960.
وعلى هذا الأساس يبدأ الكتاب برصد تجربة الكتابة منذ الشروع بالبث التلفزيوني، فيكتب عن ظهور التلفزيون ويبحث في الخطوات الأولى التي تمت على صعيد كتابة الدراما السورية، إلى أن يصل إلى عام 2010، حيث حجزت الدراما التلفزيونية السورية مكانة مرموقة بين الفنون التلفزيونية العربية، ويقف هذا الكتاب على الجانب التاريخي لنشوء الدراما، ثم يدخل في أجواء الفنون الدرامية وتطورها الذي يحتاج إلى كثير من البحوث والنقد.
تطور النص الدرامي في سورية
ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: «إن في هذا البحث المتعلق بتطور النص الدرامي التلفزيوني في سورية، يجد القارئ نفسه أمام معطيين دفعة واحدة:
الأول: تاريخي، ويتعلق بمراحل ظهور التلفزيون وتطور عروضه ومواده التي يبثها مرحلة وراء مرحلة منذ أوائل ستينيات القرن الماضي ووصولاً إلى عام 2010، وهو التاريخ الذي أقفل الحديث فيه عن مستجدات الدراما التلفزيونية السورية، والثاني: فني ومهني، ويتعلق بآليات كتابة البرامج والمسلسلات الدرامية التلفزيونية، وتحديداً بتطور فن الكتابة الدرامية للتلفزيون، وظهور ما يمكن الحديث عنه وكأنه نوع من الكتابة الحديثة لفن توءم للسيناريو السينمائي هو: سيناريو الدراما التلفزيونية».
الدراما والسيناريو
ويتحدث في الفصل الثاني عن الدراما التلفزيونية والسيناريو ويقول: «كان على
(الدراما التلفزيونية) أن تفرض وجودها في عملية المنافسة، وساعدها على ذلك مقدرتها على تحقيق شروط المعادلة المتعلقة بالصورة، لأن المهارات الموجودة كانت تتعلق بكل المؤثرات الأخرى ما عداها، فكان مطلوباً منها أن تنافس الراديو من جانب لتأخذ جمهوره، وترث كل مقومات السينما وتعيد إنتاجها على طريقتها الخاصة في السنوات التالية لتطورها، لتصبح سينما البيت وتنقل حركات الممثلين إلى الغرفة.
وهنا طرحت الأسئلة عن آليات الكتابة للتلفزيون وهل تمايزت هذه الكتابة عن غيرها من فنون الكتابة المعروفة؟ لقد كان معروفاً أن السينما أخذت السيناريو عن كوميديا دي لارتي الإيطالية التي نشأت في بداية القرن السابع عشر ومن خلال مسرحية (أركاديا المسحورة)، والعروض التي كانت تقام في بلاط الأمراء والحوارات المرتجلة البعيدة عن التسجيل والتي أعطت للمثل الحرية المطلقة في أن يأتي بألفاظ وليدة اللحظة ولكن في حدود سيناريو متفق عليه».
ظهور الكتاب التلفزيونيين
وفي الفصل الرابع بحث الكتاب في ظهور كتاب التلفزيون عقب ترسيخ الدراما نفسها ضمن جدول العروض التلفزيونية: «وتتالت محاولات الكتابة للتلفزيون، سواء على صعيد البرامج أم على صعيد الدراما، وبدت التجربة لمن حاول بها أكثر إغراء من غيرها، وصار من الطبيعي إنشاء آليات للاستكتاب والرقابة والتقييم، وصار من الطبيعي أن يظهر البحث عن مهارات في الكتابة، أو العمل على تأسيس هذه المهارات، وراح المشاهد السوري يشاهد على الشاشة الصغيرة أسماء كتاب لم يكن يعرفهم من قبل، وفي التدقيق في (التترات) التي ظهرت تباعاً يلاحظ أنها تحمل أسماء يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
الأول: تجربة المخرجين في كتابة نصوص خاصة بهم.
الثاني: محاولات الكتاب الإذاعيين ولوج مجال الكتابة التلفزيونية بتردد.
الثالث: دخول بعض الكتاب والأدباء في مجال الكتابة الدرامية التلفزيونية.
الرابع: وهو الأهم، ظهور كتاب تلفزيونيين فعلاً تمكنوا من تقديم النص المهني القادر على ملاحظة متطلبات العملية الدرامية أمام الكاميرا.
الفورة الثانية في الإنتاج
ويسلط الضوء في الفصل السابع على حجم الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري وتحول المشاهد من حالة الترقب للأعمال الجديدة إلى حالة اختيار الأجمل لمشاهدته: «وقد زادت ساعات الإنتاج إلى الحد الذي لم يعد المشاهد يستطيع تذكر أوقات عرض مجموعة الأعمال التي يمكن أن يخصص الوقت اللازم لمشاهدة ما يريده منها، ففي عام 2001 كان عدد المسلسلات التي أنتجت 24 مسلسلاً تسعون بالمئة منها أنتج للعرض في شهر رمضان المبارك، ومن تلك المسلسلات: (أبيض أبيض، أحلام لا تموت، أكشن، ألو جميل ألو هناء، إمبراطورية نون، البحث عن صلاح الدين..) وغيرها الكثير، وفي عام 2002 كان عدد المسلسلات يزيد عن العام الذي سبقه، إلى الدرجة التي جعلت الصحافة تصف ذلك بالتخمة الحقيقية من حيث الكم، والأزمة الحقيقية في الاختيار وفي تنظيم مواعيد البث، خلال شهر رمضان المبارك، وعلق بعض النقاد على هذا الكم من الإنتاج الدرامي بأنه (تجاري) ويشتمل على (كثير من التنويع في المواضيع المختارة بين التاريخي والاجتماعي والكوميدي وحتى البدوي والفانتازيا، ولكن الهدف الأساسي من الإنتاج بهذه الكثرة هو الهدف التجاري البحت، والتعامل في التسويق مع معادلة العرض والطلب)».
ويذكر أن عماد نداف هو كاتب وصحفي من مواليد 1965، يمارس الصحافة منذ أربعين سنة موزعة على الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب، منذ أكثر من عشرين سنة، وله العديد من الكتب والدراسات.