ترامب يَعبث بنظام عالمي فرضته أميركا
| قحطان السيوفي
ماذا تعني عبارة «النظام العالمي القائم على القواعد»؟
دول العالم تتعامل مع بعضها وفقا لمجموعة متفق عليها من القواعد القانونية والاقتصادية والعسكرية، وفي حال تجاهل تلك القواعد أو الانقلاب عليها، سوف تندلع الصراعات، ومُعظم بلدان العالم تعتقد أن العبارة المذكورة ستار للهيمنة الأميركية على العالم.
إن الاقتصاد العالمي أصبح أكثر تكاملا، ومع صعود الصين وروسيا والهند، أصبح ثلث سكان العالم فجأة عمالا ومستهلكين في الاقتصاد العالمي.
إضافة إلى دور التكنولوجيات المتقدمة، وتطور القواعد التنظيمية والتجارية التي بسطت إجراءات عبور الحدود، رغم توقعات البنك الدولي بارتفاع معدل نمو الاقتصاد العالمي عام 2018، فإن مخاطر كبيرة تُشيع حالة من الضبابية حول هذه التوقعات، منها مخاطر زيادة القيود التجارية، وعدم اليقين بشأن التجارة، وبالمقابل كان بعض صناع السياسات يرون أن الاتفاقيات التجارية تعزز النمو، وخاصة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضم 12 دولة، واتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، ولكن هذا تغير بعد نجاح بعض الحركات الشعبوية الغربية، ومنها فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ينادي بان تُغلق أميركا أبوابها.
لقد تم تصميم النظام الاقتصادي العالمي الحالي في الولايات المتحدة، لكن ترامب يُقدم قواعده الخاصة، بدءا من التنصل من اتفاقيات الشراكة ذات الطابع الدولي، وفرض رسوم جمركية باهظة على الواردات الصينية.
من الناحية العملية الولايات المتحدة هي التي كتبت القواعد، لذا فإن النظام بأكمله متحيز لمصلحتها.
ترامب يعتقد أن الأجانب الأذكياء يتلاعبون بقواعد النظام الدولي، لجعل الولايات المتحدة في وضع تجاري سلبي، لقبول أحكام عدائية من المحاكم الدولية، ويزعم ترامب أن أميركا تنفق المليارات لحماية الحلفاء الناكرين للجميل، لذلك يطلب رسوما أو بدل خدمات مقابل حماية اتباع أو حلفاء أميركا في العالم، ويشفط أموال نفط الحلفاء الأغبياء، هناك مثل معروف في محال تجارة الخزف: «إذا كسرتَ القطعة، فإنها سوف تصبح ملكك» أي إنك ستتحمل ثمنها، لكن حين يتعلق الأمر بالنظام العالمي الحالي، فإن وجهة نظر إدارة ترامب: «لم نعد نمتلكها، ومن ثم فإننا سوف نكسرها» أي إن الولايات المتحدة تنقلب الآن على النظام الذي سبق أن أنشأته، مع ما في ذلك من عواقب وأخطار كبيرة يصعب التنبؤ بها، وستكون الفترة المقبلة اختباراً لمدى استعداد إدارة ترامب لشن هجوم متعدد الجوانب على النظام التجاري العالمي، كالمطالبة بتغييرات جذرية في اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية، وعرقلة أعمال منظمة التجارة العالمية، وفرض الرسوم الجمركية، وإثارة خلافات داخل حلف الناتو، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام ترامب بالقواعد العامة التي يُفترض أنها تحكم الأمن العالمي.
السؤال المهم: ما الشكل الذي سيبدو عليه العالم، مستقبلا مع إدارة ترامب غير الملتزمة بقواعد النظام العالمي والجانحة لإجراء تغييرات جذرية غير واضحة المعالم للنظام الدولي المعمول به منذ عقود؟ المشهد يشير إلى ثلاثة احتمالات:
الأول يتضمن ظهور نظام جديد، تعمل فيه بقية بلدان العالم في ظل نظام متعدد الأطراف، ويجري فيه تجاهل أحادية الجانب الأميركي، قدر الإمكان.
الثاني هو انسحاب الولايات المتحدة، إلى حد كبير، من النظام الدولي بما يؤدي إلى حدوث انهيار في النظام القائم على القواعد ومواجهة العالم لفوضى عامة.
الثالث هو أن تجري الولايات المتحدة تغييرات لا تزيد على كونها تعديلات شكلية وبسيطة من حيث الجوهر، ويبقى النظام، وبشكل معدل، وبدأت ملامح أحد تلك السيناريوهات التي ستكون الأكثر حظا مع بداية نظام عالمي جديد.
لقد دخلت واشنطن في مفاوضات حول إجراء تعديل على معاهدة نافتا، ويعمل الأعضاء الأوروبيون في حلف الناتو على زيادة الإنفاق العسكري، ولن تقدم الصين تنازلات تجارية، في المقابل، هنالك عناصر تنبثق عن عالم من دون الولايات المتحدة، عندما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة التجارية عبر الباسفيكي، قرر الأعضاء الـ11 الآخرون المضي قدما من دونها.
في الأسبوع الماضي، أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة قد تنضم مرة أخرى لاتفاقية التجارة الحرة بعد تعديلها لكن ربما يكون قد فات الأوان على ذلك.
الصين تمضي قدما في مبادرة الحزام والطريق، بتعاونها مع بلدان أخرى لإيجاد بنية تحتية عبر كتلة اليابسة الأوراسيّة، أي الأوروبية الآسيوية، بالمقابل هنالك حجج ضعيفة تدعم خيار حلول الفوضى إن واصلت إدارة ترامب عرقلة تعيين قضاة في محكمة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، حينها سيدفع نظام التجارة العالمي بأسره الثمن.
كما أن هنالك أيضا مهامّ محددة تؤديها الولايات المتحدة منها توفير العملة الاحتياطية للعالم، على الرغم من التضاؤل النسبي للدولار وقابلية متزايدة لعديد من العملات للعب دور مهم، فهل تثور الشركات الأميركية إذا ما حاولت إدارة ترمب تفكيك اتفاقية نافتا؟
بعض المراقبين والمُحللين يرون أن التغيير الخارجي، الذي لا يمس الجوهر، ممكن نتيجة لهجوم إدارة ترامب على النظام العالمي القائم على القواعد، في المقابل، فإن اللعبة الأميركية لا تخلو من المخاطر، بل قد تكون غاية في الخطورة، واللفتات الوطنية تستفز استجابات وطنية، خصوصا من قوة صاعدة، مثل الصين.
الرئيس ترامب قد لا يُعلن مباشرة أنه سيكسر النظام العالمي الحالي، إلا أن مكمن الخطورة في أن ذلك يمكن أن ينتج فعلا، والمشهد يُشير إلى أن التكامل الاقتصادي العالمي في خطر، وإدارة ترامب تعبث بل ترفض وتنقلب على نظام عالمي فرضته أميركا سابقا، والعالم يرد بنظام جديد، بمعنى آخر؛ بداية مرحلة انتقال من نظام سيطرت عليه الولايات المتحدة كقطب عالمي واحد، إلى نظام دولي جديد متعدد الأقطاب تبرز فيه روسيا والصين، يبدو أن ملامح هذا النظام الجديد، سترسمها تجاذبات القوى في الشرق الأوسط، وتتشكل بعض ملامحه انطلاقاً من الأزمة السورية وانعكاساتها الإقليمية والدولية.