من دفتر الوطن

امسك حرامي!

| عصام داري 

اللص ليس ذلك المتطفل الذي يسطو على البيوت فيسرق ما خف حمله وغلا ثمنه، بل هو ذلك الشخص الذي يريد العيش بتكاسل على حساب الآخرين، فهذا اللص موجود في كل شرائح المجتمع بلا استثناء، من الأدب والصحافة والاقتصاد والفن والغناء.. إلى السياسة أيضاً!.
في سبعينيات القرن الماضي كتبت في صحيفة تشرين موضوعاً عن الباحثة الموسيقية وجيهة عبد الحق، صاحبة اختراع (قيثارة دمشق) التي أهدتها إلى منظمة اليونيسكو في باريس وتسلمها منها الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت فالدهايم.
سبب اهتمامي بوجيهة عبد الحق كان بالدرجة الأولى لأنها كانت جارتنا في دمر، وصديقة والدتي، بل هي أصرت على تعليمها العزف على العود، وهكذا كان، أما السبب الآخر فهو تسليط الضوء على هذه المرأة السورية المبدعة في مجالها، والتي جابت معظم الدول الإفريقية لتجمع تراث إفريقيا الموسيقي.
حصلت على بعض المعلومات من شقيقها منير، وأخذت منه صوراً عديدة، منها صورتها وهي تسلم (قيثارة دمشق) للسيد فالدهايم.
بعد النشر بعدة أيام وعلى مدخل صحيفة تشرين أوقفني الزميل والصديق وليد أسعيد مع زميل آخر وسألني بخبث: ماذا أعطاك (و.. ن) مراسل «الشرق الأوسط» السعودية التي تصدر في لندن كي تسمح له بنشر موضوعك؟.
كنت قد نسيت الموضوع، فسألته عن ذلك، فما كان منه إلا أن عاد إلى مكتبه وأطلعني على عدد الصحيفة اللندنية، فوجدت أن موضوع وجيهة عبد الحق منشور بالنص، ومع الصور المقصوصة من صحيفة تشرين، وللأمانة كان هناك اختلاف واحد هو أن الراحلة كانت تعلم نسوة الحي العزف على العود!!.
عادي.. وعادي أيضاً أن يقوم صحفي مشهور أكثر من نار على علم «بلطش» أي مقالة تعجبه ويعيد نشرها مع تغيير عنوانها (فهو شاطر في العناوين) وكتابة سطر ونصف السطر كمقدمة لها، وقد تم ضبطه متلبساً حوالى عشرين مرة بمعرفتي ومعرفة مديرين في الإعلام الرسمي السوري، وهو معروف في الوسط الصحفي باسم (الأستاذ دبوس) لأنه يقطع المقالة بالدبوس ويلصقها، ويرسلها إلى المطبعة، وكفى اللـه القتال!.
طبعاً لو كان هناك قانون لحماية الملكية الفكرية لما ترعرع جيل كامل من(الدبابيس) التي صارت صحفيين مرموقين، ولا أحد يبحث عن هؤلاء اللصوص.
في الأدب والإعلام، كما في الحياة، هناك لصوص متخصصون في نهب ثروات الوطن، وسرقة لقمة الفقراء من أفواههم، وإذا كانت السرقات الأدبية التي يرتكبها قليلو الأدب، تؤذي نفراً من الناس معنوياً بشكل أساسي، فإن سرقات لصوص النهار من تجار وفجار، تؤذي شعباً بكامله، وتسهم في الجوع والجهل والمرض.
في اللهجة المصرية يقولون في حالات السرقة: «امسك حرامي» بل هناك فيلم يحمل العنوان نفسه، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى شرطة أخلاقية ومنظمة حديدية لملاحقة لصوص النهار، فالوضع لم يعد يتحمل المزيد، وزيادة الضغط تؤدي إلى الانفجار، وأي انفجار!.
في أميركا اشتهر أحد القضاة بأحكامه الغريبة، لكنها محقة، فهو لا يسجن اللص، بل يطلب منه أن يصطحب الذي سرقه مع لجنة من المحكمة إلى بيته ليأخذ منه ما يشاء من متاع، كي يشعر اللص بفداحة ما اقترف!.
يلزمنا قاض من هذا النوع، وسريعاً!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن