اللبنانيون يهزمون «ثورتهم الملونة»
| عبد المنعم علي عيسى
أخيراً اتضحت كم كانت واسعة تلك العباءة التي رمتها «ثورة الأرز» على أكتاف القوى التي سيطرت على لبنان، ولا تزال، منذ عام 2005! فهي، أي العباءة، لم تتعرض لامتحان كان يمكن له أن يثبت أنها فضفاضة بما لا يتناسب مع الجسد! وما جرى هو أن البدلات الثلاث التي غيرها هذا الأخير كانت كلها تقوم أساساً على اعتماد المقاسات القديمة التي يحتفظ بها الخياط دون أخذها على أرض الواقع.
يمكن القول إن السمة الأبرز لانتخابات الأحد الماضي في لبنان كانت تتمثل في ضعف الإقبال الشعبي عليها والذي وقف عند حدود 49,2 بالمئة بانخفاض يقترب من 5 بالمئة عن نظيره في الانتخابات الأخيرة في العام 2009، وربما برر العديد من المحللين ذلك الانخفاض بأنه ناجم عن اعتماد قانون النسبية المعروف بأنه يحقق نسب تصويت أقل من قانون الأكثرية المعتمد سابقاً! إلا أنه، أي الانخفاض، يعتبر بالتأكيد مؤشراً على حالة إحباط تعيشها شرائح عدة في النسيج المجتمعي اللبناني وهي وصلت إلى حدود اليأس ولم تعد ترى أن صناديق الاقتراع وما ينتج عنها من هياكل سلطوية يمكن أن تفضي إلى حدوث تغييرات جذرية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
السمة الأبرز الثانية هي هزيمة المال وتحديداً السعودي فعلى الرغم من كم الملايين التي زجت بها الرياض في تلك الانتخابات والتي تقول تقارير إن شراء الصوت الواحد كان قد تعدى حاجز خمسة آلاف دولار في بعلبك والهرمل! على الرغم من ذلك فإن قائمة رجلها الأول أشرف ريفي فشلت في الحصول على أي مقعداً انتخابي في الشمال! أما رجلها الثاني سعد الحريري فقد تقلص حجمه بنسبة الثلث فأضحى 21 مقعداً بدلاً من 33 في السابق وكلا الأمرين كان يمثل صفعة للرياض قبل أن يكون لأي أحد آخر، وفي قراءة أولية للنتائج التي أفضت إليها تلك الانتخابات يمكن لحظ ما يلي:
– حصول حزب الله وحلفائه على 67 مقعداً أي النصف +3، وهذي القراءة هي لوكالة «رويترز» في اليوم التالي للانتخابات! وهذا مؤشر على أن الحزب بات الأقدر على التحكم بالتحالفات الحكومية! وفي مقلب آخر يمكن التنبؤ أن الساحة اللبنانية باتت مقبلة على صيف حار بالتأكيد.
في أول تعليق إسرائيلي قال وزير التعليم نفتالي بينيت يوم الاثنين الماضي: «إن نتائج الانتخابات اللبنانية تظهر أنه لا فرق بين الدولة والجماعة الشيعية التي تدعمها إيران! وإن إسرائيل يجب ألا تفرق بينهما في أي حرب مستقبلية».
– تحجيم تيار المستقبل الذي تلقى ضربة قاصمة فقد عبرها ثلث حجمه في مؤشر على رفض شارعه للقبول بالإهانة السعودية التي طالت رئيس الحكومة في الوقت الذي قام فيه هذا الأخير بالتكيف معها فكان قرار الشارع بمعاقبته انتخابياً.
– يحصل التيار الوطني الحر الذي حصل على 27 مقعداً على التفويض الذي كان يسعى إليه! وربما شكلت تلك النتيجة أمراً صادماً بالدرجة الأولى لزعيمه وزير الخارجية الحالي جبران باسيل الذي كان يرى في تلك الانتخابات طريقاً للوصول إلى قصر بعبدا! فيما التراجع كان بفعل صعود نسبي للقوات اللبنانية التي حصلت على 15 مقعداً في مقابل 9 سابقاً! وعلى الرغم من أن زعيم الكتلة سمير جعجع هو المستفيد الأول! إلا أن ذلك الصعود لن يكون مؤثراً في تغيير المعادلات السياسية التي ستنجم عن الانتخابات! فالكتلة القواتية هي صغيرة الحجم أساساً ولذا فإن نموها الذي زادت نسبته عن 50 بالمئة لا يشكل ثقلاً ضاغطاً في الخريطة السياسية.
انتخابات السادس من أيار هي الانعطافة الأهم في تاريخ لبنان السياسي منذ اتفاق الطائف عام 1990 وهي ستشكل مفصلاً في مساره المقبل، ومؤشراً على أن اللبنانيين قد هزموا نسخة «الثورات الملونة» التي صممت لهم وخرجت إلى العلن باسم «ثورة الأرز».