تفاهمات استقرار آني
| سامر علي ضاحي
رغم التقدم الذي يحققه الجيش العربي السوري واقترابه من إزالة أي وجود مسلح غير شرعي أو إرهابي من مناطق الداخل السوري سواء في جنوب دمشق أو في ريف حمص الشمالي المتصل بريف حماة الجنوبي، إلا أن الوجود المسلح يتجمع بشكل لافت على كامل الحدود باستثناء الخط الغربي الممتد من لواء إسكندرونة وصولاً إلى بداية خط وقف إطلاق النار مع العدو الصهيوني على الحدود المشتركة مع لبنان، وبقاء جيوب صغيرة جداً لتنظيم داعش الإرهابي بريف حمص الشرقي، فيما لا تزال سورية معزولة برياً عن جيرانها، باستثناء لبنان، حتى اليوم بانتظار فتح معبر البوكمال مع العراق.
ولعل كثافة الوجود المسلح مع تشابك التبعية الدولية والإقليمية والإيديولوجية لهذا الوجود، يضاف إليها تعقد ملف الدعم المقدم للقوات المسلحة السورية من قوات حليفة أو صديقة ورديفة، يجعل الحديث عن نصر عسكري كامل للحكومة السورية على الإرهاب والجماعات غير الشرعية مبكر، ولابد أن يترافق النصر بحل سياسي حتى يصبح متكاملاً، وهو ما يبدو بعيد الوصول في ظل الظروف الحالية، إذ تظهر الساحة السورية اليوم وكأنها وصلت إلى مرحلة تلاقي الأهداف بين القوى الدولية والإقليمية، وباتت سورية بوتقة تتجسد فيها موازين القوى عسكرياً وسياسياً.
إن أهم سمات مرحلة تلاقي الأهداف الحالية، أن القوى الدولية والإقليمية التي كانت تتصارع في حلبات التفاوض، لفرض نظام سياسي معين على سورية أو حماية النظام السياسي القائم فيها، اتفقت اليوم على حماية «استقرار آني» متحصل في سورية حالياً، باستمرارية عمل مؤسسات الدولة الحالية في مختلف مناطق البلاد وهو وإن كان مكسباً للقوى التي دعمت الحكومة السورية، لا يبدو أنه خسارة كبيرة للقوى التي كانت تناهضها، والتي لم تقدر على فرض إرادتها العسكرية إلى اليوم، لكنها في المقابل تحتفظ بقوى عسكرية ضخمة على الخط الحدودي الممتد من ريف إدلب في الشمال الغربي للبلاد مروراً بالحدود الشمالية والشرقية وقسم من جنوب غرب البلاد، وهي تدرك، أي القوى الدولية، أنها قادرة على توتير «الاستقرار الآني» من خلال هذه القوة في حال رغب الطرف الآخر بإبعادها، ولكن رغم ذلك من غير المتوقع أن نشهد مواجهة مباشرة في القريب العاجل بين المعسكرين.
وبالنسبة لمسارات الحل، فلا زال كل من «أستانا» و«سوتشي» يحتاجان إلى الشرعية الأممية التي يتمتع بها مسار «جنيف»، لكن بالمقابل ما زال «جنيف» عاجزاً عن تحقيق أي اختراق كما حقق المساران الآخران، وإن كان «سوتشي» لم يقدم سوى تفاهم حول لجنة دستورية فقط لا غير، في حين أن التفاهمات الحالية تتيح لـ«أستانا» الحصول على مزيد من الزخم سواء بحماية «منطقة خفض التصعيد» في جنوب غرب سورية وفي إدلب وريف حلب الغربي، أو توسيع مبدأ «خفض التصعيد» ليمتد إلى مناطق كعفرين ومنبج أو حتى ريف الفرات الشرقي في مراحل لاحقة، باعتبار الأخير خاضع لأمر واشنطن حالياً.
من غير الممكن تجاهل أن سورية باتت أرضاً خصبة لتصفية الحسابات، ولعل في التصعيد بين الكيان الصهيوني وأميركا والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى، خير مثال على ذلك، كما أن مثالاً آخر يحضر هنا ويظهر بالتوتر الأميركي التركي الذي يتجلى بصراع نفوذ في شمال سورية ودخول القوات الفرنسية على الخط.
بعد عجز القوى الغربية عن إحداث أي تغيير في رأس السلطة في سورية أو حتى طبيعة الحكم، وفق مصالحها، باتت مضطرة للاستماع إلى وجهة نظر حلفاء دمشق بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية عام 2021 واعتبارها مخرجاً واقعياً للأزمة سياسياً يتبعها ترتيبات أمنية وعسكرية مع احتفاظ قوى مؤثرة في الحرب السورية ببعض النفوذ هنا وهناك، على أن يجري خلال هذه المدة حل بعض ملفات المنطقة الأكثر تعقيداً بما يرتبط ومناطق سورية، فملف الصراع الفلسطيني الصهيوني بعد انسحاب قوى عربية مهمة منه كالسعودية ومصر والأردن، سيتم ربطه بترتيبات جنوب غرب سورية، أما ملفات البرنامج النووي الإيراني ومستقبل حزب اللـه اللبناني فسيتم ربطها بترتيبات جنوب غرب سورية والمناطق الشرقية، وأخيراً الملف الكردي ومستقبل العلاقات التركية الأميركية، وطبيعة العلاقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي «ناتو» فستكون كلها ملفات يتم ربط ترتيبات شمال سورية بها.
لعل ما أفرزته الانتخابات اللبنانية النيابية قبل أيام من استقطاب حاد بين القوى المختلفة المحسوب كل منها على طرف إقليمي أو دولي، دليل على ذلك، حيث كانت تلك النتائج تعكس صورة واقعية عن الوضع الميداني في سورية، في حين كان تقدم المجتمع المدني في تلك الانتخابات دليل على رغبة أوروبية بالعودة إلى ساحات المنطقة.
لكن من المتوقع، ألا تسمح القوى الغربية بانطلاق إعادة الإعمار في سورية قبل هذا التاريخ 2021، بل ستعمل على إعاقة انطلاق أي مشاريع طويلة الأمد في سورية وهو ما تعبر عنه واشنطن والاتحاد الأوروبي صراحة.