في مواجهة حرب نتنياهو- بولتون
| عامر نعيم الياس
استمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمسار نسف العالم المتعدد القطبية، سواء في لعبة المحاور المتضادة مع روسيا والصين، أو سواء بالنسبة للعلاقات بين ضفتي الأطلسي، فصاحب شعار «أميركا أولاً» الذي بدأ عهده بالانسحاب من اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، وتبعها بالانسحاب من «اتفاقية باريس للمناخ»، وبعدها فرض ضرائب على واردات «الصلب والألمنيوم» في انتهاك لقواعد التجارة الدولية، استمر في خلط الأوراق، ورمى قنبلةً مدويةً بانسحابه من «خطة العمل المشتركة الشاملة» مع إيران والمعروفة بالاتفاق النووي الإيراني، وقد يتساءل البعض عن حجم الضجّة التي أثارها الانسحاب الأخير، في وقت تعد الانسحابات السابقة خطرة، ويمكن القول إن قرار ترامب الأخير له بعد جيوسياسي يتعلق بصراع تاريخي على الشرق الأوسط الذي يعيش اليوم انشقاقات وحروباً لإعادة تشكيل العالم استناداً إلى توازن القوى فيه، وبالتالي فإن منسوب المخاوف مرتفع من حرب حقيقية ومواجهة، وخاصةً أن ردود الفعل على قرار ترامب والمؤيّدة له أتت من تل أبيب والرياض، عاصمتان تحرّكهما حسابات وجود في مواجهة إيران، ويعملان وفق مبدأ التعجيل بالحرب على قاعدة عدم منح طهران فرصاً أكثر لتخرج أكثر قوة.
رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو قال قبيل الإعلان عن إلغاء الاتفاق «أفضّل الصراع الآن أكثر من أي وقت آخر»، وقد علّقت صحيفة «هآرتس» على قرار ترامب قائلةً: «الرئيس الأميركي اعتمد عقيدة نتنياهو، وجعل منها السياسة الأميركية الرسمية».
إن هذا التطوّر الأخير، يقرّب المواجهة بين إيران ومحور المقاومة في المنطقة وبين الولايات المتّحدة وحلفائها، والكيان الصهيوني لا يناسبه الاستمرار في ردع تكتيكي في سورية استطاع محور المقاومة ومحور مكافحة الإرهاب امتصاصه، لذلك فهو يعمد إلى تكثيف الاستفزازات العسكرية ضد إيران في الميدان السوري، ويعتمد أذرعاً إعلامية «كالمرصد السوري لحقوق الإنسان» من أجل الخروج بإحصائيات مرتفعة عن «ضحايا لإيران» في أي عدوان إسرائيلي، وذلك في مواجهة ضبط النفس والصمت الذي تبديه دمشق وطهران وحزب الله، وهو صمتٌ يزيد من التوتر في مستويات القرار عند الكيان الصهيوني.
إن رئيساً كترامب بلا مبادئ ولا ضوابط، من السهل دفعه إلى افتعال حرب، سواء كان يدري أم لا، لكن في المؤشرات ما بعد إلغاء الاتفاق يمكن الإشارة إلى العوامل المرجحة التالية:
– الرئيس دونالد ترامب قدّم للكيان الصهيوني أقصى ما يمكن تقديمه، بدءاً من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واليوم بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران والعودة «الفورية للعقوبات على أعلى المستويات»، وهذا أمر محوري في عقيدة خنق الجمهورية الإسلامية اقتصادياً بهدف إسقاط النظام في إيران، وهو توجّه يحكم العقل الصهيوني والسعودي تحديداً، ومعه اليمين الأميركي الحاكم حالياً.
– تبنى الرئيس الأميركي المطالب الإسرائيلية كاملةً في طرحة «لاتفاق جديد» بدءاً من تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية كاملة ودون قيد أو شرط، مروراً باحتواء النشاط الإيراني في المنطقة، وليس انتهاءً بقيود صارمة على البرنامج الصاروخي الإيراني، جملة مطالب تمس الأمن القومي الإيراني مباشرةً وهو أمرٌ حتى بالنسبة لإيران دونه حروب وليس حرباً واحدة.
– على الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي المقال ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي المقال هربرت مكماستر لم يكونا من دعاة السلام مع إيران في الإقليم وفي سورية، إلا أنهما كانا بالنسبة لمحيط ترامب وتشكيل إدارته، أصوات عقل وتعقل، واستبدالهما بكلّ من مايك بومبيو في الخارجية، وجون بولتون مستشاراً للأمن القومي، هو بحد ذاته مؤشر إلى شكل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وتحديداً في مواجهة إيران، فنحن أمام مدير سابق للاستخبارات المركزية الأميركية كان يؤكد في تقاريره أن إيران «تخرق» التزاماتها في الاتفاق النووي على الرغم من عدم وجود أي توجّه حينها يدعم هذه الحجج، أو حتى توجّه سياسي لوقف العمل بالاتفاق، أما بولتون فهو لا يزال يرى أن نموذج احتلال العراق جذّاب وأنه يشكل نجاحاً للسياسة الأميركية، ولا يتردد في استخدام معلومات استخباراتية مضللة لخدمة أجندته السياسية، هذا يفسّر إلى حدّ ما العرض الهزلي لرئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو حول المعلومات السرية الاستخباراتية التي عرضها للقول إن إيران لا تلتزم بالاتفاق، هذا الاستعراض «الذي لم يأتِ بجديد» وفق تعبير قادة الغرب الحليف لواشنطن، كان موجّهاً للرئيس الأميركي الذي أشاد «بالدليل القاطع» الذي عرضه نتنياهو حول النووي الإيراني.
المنطقة المنهكة بالحروب، أمام تهديد حقيقي بمواجهة بدايتها وميادينها واضحة حتى الآن، لكن لا يعرف إلى أين ستتوسع، وكيف ستتطور، وما إذا كان من الممكن لحلفاء الطرفين وقفها أو السيطرة عليها، أم لا؟ أما الوقت الحالي فهو اختبار لأوروبة وقدرة إيران على قيادة عملية تفاوض مع الدول التي تعارض قرار ترامب، وهو رهان من المحتمل أن يجنّب الجميع كلفة حرب يريدها بولتون ونتنياهو، فصمود الموقف الغربي، وبدعم من روسيا والصين في مواجهة الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الصهيونية، قد يعيد الأمور إلى نصابها، ويعزل تل ابيب وقاطن البيت الأبيض الذي يحمل وفريقه عصا الاقتصاد الأميركي والعقوبات الطويلة في مواجهة الجميع.