مستقبل الممالك العربية كما تراه لندن وواشنطن!
| تحسين الحلبي
يسجل التاريخ العربي الحديث أن معظم حكام الدول العربية الموجودين من ملوك وأمراء جرى تنصيبهم بهذه المناصب ذات الحكم المطلق على يد القوى الاستعمارية بريطانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة.
ولم تكن منذ عام 1946 في تاريخ هذه الأمة سوى سورية ولبنان كدولتين مستقلتين بنظام حكم جمهوري ديمقراطي، فبريطانيا والولايات المتحدة حرصتا على إبقاء هذه الأنظمة الملكية في الحكم لتسهيل عملية سلب مصادر ثرواتها النفطية الهائلة، بل إن واشنطن ولندن قامتا بتغيير نظام حكم ديمقراطي جمهوري بنظام ملكي في إيران عام 1953 حين أسقطتا بانقلاب عسكري رئيس وزراء إيران المنتخب محمد مصدق ونصبتا بدلاً منه شاهاً كملك مطلق الصلاحية على الشعب لأن مصدق قام بتأميم نفط بلاده ومنع سيطرة بريطانيا عليه.
التاريخ كما يقول علماؤه، يعيد نفسه أحياناً بشكل هزلي أو غير مألوف، وهذا ما يحدث الآن حين توظف قوى الاستعمار القديمة الجديدة حكاماً تابعين لها لإسقاط أنظمة حكم ديمقراطية عربية وتنصيب عملائها بدلاً منها. وهذه الحقيقة ظهرت واضحة ضد سورية بشكل خاص وكذلك ضد إيران التي تفضل واشنطن عودة حكم أحفاد الشاه فيها بدلاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية المناهضة للهيمنة الأميركية والمعادية لإسرائيل.
ويرى علماء التاريخ في عدد من الدراسات في أوروبا أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد في العقد المقبل انتهاء دور وسيطرة النظام الملكي المطلق في دول عربية كثيرة وهذا يعني انتهاء الدور الملكي الوظيفي الذي سخرته واشنطن ولندن لخدمة مصالحهما ضد الأشقاء العرب والمسلمين في المنطقة، وستتحكم بهذه العملية عوامل داخلية بشكل رئيس إضافة إلى العوامل الخارجية التي سيفرضها انتصار محور الدول الوطنية والقومية المناهضة للهيمنة الأميركية ودور الدول التابعة لهذه الهيمنة.
وفي دراسة نشرها المعهد الملكي للشؤون الدولية والمعروف بـ«مركز أبحاث تشاتام هاوس» البريطاني بعنوان «مستقبل دول الخليج واتجاهاته المقبلة» شباط 2015 جاء أن «دول الخليج تشهد تغييراً متسارعاً في الاقتصاد والديموغرافيا أمام تطور العلوم وانتقال المعلومات والأفكار التي تعزز حدوث تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية هائلة، والدور الذي تقوم فيه هذه الدول الآن لن يدوم أمام التحولات الإقليمية في المنطقة».
وتتوقع الدراسة أن «تشهد هذه الدول سيناريوهاً تتفاقم فيه النزاعات الداخلية المذهبية والطائفية وخصوصاً في السعودية والبحرين ونزاعات قبلية في مناطق أخرى وخلافات في السياسة الإقليمية وسيشهد نظام مجلس التعاون الخليجي في العقد المقبل، أي حتى عام 2025، تحولات تفرضها عوامل داخلية وخارجية».
العوامل الخارجية ذات صلة بطبيعة العلاقات التي سيطرأ عليها تغير بين القوى الاستعمارية ودول الخليج وخصوصاً بعد أن تفرض القوى والأطراف العربية المناهضة لسياسة تسخير هذه الدول ضد المصالح العربية شروطها في المنطقة بعد تسارع إنجازاتها الميدانية والعسكرية وتحالفاتها الاقتصادية للدفاع عن مصالحها.
وإذا كانت المخططات الإسرائيلية والأميركية تهدف إلى تقسيم الدول المناهضة للهيمنة الأميركية وسياسة حلفائها ولم تنجح بفرض هذا التقسيم في سورية والعراق، فإنها ترى أن إمكانية تقسيم السعودية مسألة أسهل بكثير بالنسبة لواشنطن وتل أبيب بالمقارنة مع دول أخرى وخصوصاً أن المصالح القبلية في السعودية تفوق المصالح الوطنية أو القومية لأن النظام الوهابي الإسلامي الذي فرضته العائلة المالكة السعودية، فتت قدرة المشاعر القومية والوطنية على النهوض والترسخ لدى العرب في شبه الجزيرة العربية، وعندما يبدأ العد التنازلي لأزمة الاقتصاد المحتمة في السعودية، ستتطلع القبائل التي يوجد في أراضيها النفط، إلى الاستئثار بثرواته بالقوة وبالانفصال وهذا ما يقدم المزيد من المصالح لواشنطن وتل أبيب!