من دفتر الوطن

«نفط من نوع آخر»

| حسن م. يوسف

ليس عنوان هذه الزاوية من بنات أفكاري بل هو مقتبس بحرفيته من حديث لرئيس اتحاد المصدرين السوري السيد محمد السواح، في معرض حديثه عن السلع الزراعية السورية، لمناسبة التحضير لمعرض الصناعات الغذائية التصديرية الأول الذي افتتح على أرض مدينة المعارض بدمشق، يوم الخميس الماضي، تحت شعار: «الغذاء من مدينة الياسمين إلى العالم»، بحضور نحو ثمانمئة مستورد من ثلاثين دولة.
والحق أن تشبيه السيد السواح للسلع الزراعية بأنها «نفط من نوع آخر» ليس ضرباً من المبالغة الدعائية، فالسلع الزراعية السورية تمتاز بجودة عالية، ويمكننا لو أحسنا استثمارها وتعليبها وتسويقها، أن نحولها إلى مصدر للدخل الوطني، قد يعادل النفط إن لم يتفوق عليه. فالدراسات العلمية التي أجرتها المنظمة العالمية للأغذية والزراعة (الفاو)، أثبتت أن سورية تحتل المرتبة الأولى عربياً، في جودة الحمضيات، والكرز، والزيتون، والفستق الحلبي، والعنب، والتفاح. والفضل في جودة هذه الثمار، يرجع لشمس سورية التي تنضج تلك الثمار وتزيد من جودتها وتركيز عصاراتها. وليس مصادفة أن سورية تعني بأكثر من لغة بلاد الشمس.
أصارحكم أنه لدي معلومات من مصادر موثوقة، تفيد أن تركيا تشتري الكرز السوري الممتاز بأبخس الأثمان، وتخلطه بإنتاجها من الكرز الأقل جودة، ثم توضبه في عبوات جذابة وتبيعه في الأسواق العالمية بأكثر من عشرة أضعاف الثمن!
وكذلك فإن إنتاج سورية من الأزهار والورود، يتم نقله إلى لبنان، حيث يباع بسعر بخس، وهناك يعلب ويصدر إلى الأسواق العربية والعالمية بأكثر من عشرة أضعاف الثمن الذي بيع به.
ثمة من يقول إن تسويق السلع الزراعية السورية قد تحسن قليلاً خلال السنوات الماضية، لكنني أستطيع القول من خلال معرفتي الشخصية ببعض مزارعي الحمضيات في الساحل السوري، إن أوضاع هؤلاء المزارعين تتدهور من سيّئ إلى أسوأ. فمؤسسة الخزن والتسويق الحكومية، تشتري الحمضيات من الفلاحين، بأسعار متفاوتة، تتراوح بين 35 و60 ليرة سورية للكيلو غرام، وهذه الأسعار المتدنية تبقي الفلاح على حافة الخسارة، وخاصة أن نسبة الإنتاج الزائد عن حاجة السوق المحلية، في هذا الموسم، تقدّر بأكثر من ستين بالمئة من إجمالي كمية المحصول البالغة 855 ألف طن، حسب قول السيد هيثم أحمد رئيس اتحاد الفلاحين باللاذقية.
الموجع في هذه القضية هو أن الكثير من مزارعي الحمضيات يقومون بإتلاف إنتاجهم، بسبب غلاء الصناديق وتكاليف النقل وتدني الأسعار، وقد رأيت بأم عيني مراراً أكوام الحمضيات المرمية قرب بيارات الحمضيات في الساحل السوري. وللتخفيف من وطأة هذا الواقع المريع تلجأ محافظة اللاذقية أحياناً، لشراء كميات من الحمضيات من الفلاحين، بشكل مباشر وإرسالها مجاناً إلى محافظات حلب ودمشق وحمص ودرعا.
لقد تم تشخيص هذه المأساة التي تتكرر كل عام، كما تم وصف العلاج الناجع لها منذ نحو ربع قرن، وهو إنشاء معمل للعصائر في المنطقة الساحلية يمتص الكميات الفائضة من الحمضيات. لكن تنفيذ مشروع المعمل يؤجل عاماً تلو عام، الأمر الذي جعل مزارعي الحمضيات يزدادون يأساً ويعتقدون أن حلمهم يزداد ابتعاداً، لذا بدأ بعضهم باقتلاع أشجار الحمضيات والتحول إلى زراعات أخرى قد لا تكون مناسبة لمناخ المنطقة.
صحيح أن السلع الزراعية من الممكن أن تكون نوعاً آخر من النفط، كما يقول رئيس اتحاد المصدرين السوريين، لكن هذه الثروة يمكن تبديدها أيضاً، كما بدد العرب نفطهم بسوء الإدارة والانقياد للغريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن